اختار الرئيس قيس سعيد و كعادته الهزيع الأخير من ليلة أول أمس الأحد 6 فيفري 2022 للإعلان عن أن المجلس الأعلى للقضاء قد أصبح في عداد الماضي موضحا في هذا الإطار أنه سيصدر مرسوما في الغرض بعد ساعات، وهو ما حدث فعلا مساء أمس. الإعلان الرئاسي لم يكن يشكل في حدّ ذاته مفاجأة لأغلب المتابعين لخطب الرئيس الأسبوعية الأخيرة و لا لأعضاء هذا الهيكل المتداعي الذي تعرض للانتقاد الحاد حتى من أطراف من داخل المنظومة القضائية نفسها و آخرها الانتقادات اللاذعة التي وجهها رئيس جمعية القضاة التونسيين القاضي أنس الحمادي.
بقلم أحمد الحباسي *
بطبيعة الحال لا يمكن أن نتجاهل أن هذا القرار قد سبقته إجراءات رئاسية بإصدار مرسوم ينزع عن كافة هذا المجلس كل الامتيازات العينية التي يتمتعون بها دون مقابل يذكر حسب وجهة نظر الرئيس و هو ما أثار تململا ظاهرا عبرت عنه الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة القاضية السيدة روضة القرافي منذ يومين في إحدى تدخلاتها الإعلامية .
لا شك أن المجلس الأعلى للقضاء لم يعد عليه إجماع سوى من حيث التركيبة و هنا نذكر ما رافق عملية انتخاب أعضائه من تململ و لغط و شبهات أو من حيث ما وجه إليه من اتهامات علنية بالفساد أو بالتهاون في متابعة القضايا أو على مستوى محاسبة الكثير من القضاة الفاسدين. و هنا نشير إلى الاتهامات الخطيرة الموجهة لأحد أعضائه و هو الوكيل العام للجمهورية بمحكمة استئناف بنابل القاضي المتعدد الشبهات السيد خالد عباس.
أيضا لا يجب أن ننكر أن هذا المجلس قد فقد عذريته الأخلاقية و المهنية بعد ما تم كشفه من فضائح تخص رئيسه و رئيس محكمة التعقيب السابق القاضي الطيب راشد من طرف “زميله” في المهنة الوكيل العام للجمهورية السابق القاضي البشير العكرمي ، وهو نفسه متهم في قضايا فساد.
ارتدادات ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد
هنا نأتي لبيت القصيد لنشير إلى أن حل هذا المجلس هو من بين ارتدادات ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد و ما تم التوصل إليه و كشفه من أسرار و خفايا تؤكد تلاعب جهات قضائية نافذة داخل هذا الهيكل و خاصة القاضي البشير العكرمي بمصير حقيقة من دبّر و خطط للاغتيال و لارتكاب هذه الجريمة السياسية المصنفة لدى الجميع كجريمة دولة.
لماذا الآن ؟ و هل يدخل قرار الرئيس في حل هذا المجلس تحت ما يسمى بالتوقي من الخطر الداهم الذي برر به سيادته تجميد نشاط مجلس نواب الشعب و هل يملك ساكن قرطاج فعلا ما يشير إليه من ملفات خطيرة بإمكانها أن تضع كثيرا من القضاة موضع مساءلة قانونية و إدارية و هل أن وقت محاسبة هؤلاء الفاسدين قد حانت و أن ما يحول دونها هو بقاء هذا المجلس الهلامي منتصبا بلا فائدة تذكر؟ هل ستذهب صواريخ الرئيس التى أفلتت من منصاتها ليلة أول أمس إلى الحد التي ستضرب فيه قواعد ما يسمى “بقضاء نورالدين البحيرى” – نسبة إلى وزير العدل السابق القيادي في حركة النهضة الإسلامية – و هل سيدفع كثير من قضاة التعليمات و الفساد فاتورة تلك الخدمات القذرة المقدمة لخدمة الأغراض الدنيئة و الخسيسة لحركة النهضة و لمن والاها من الأحزاب التي شكلت المشهد السياسي بعد 14 جانفى 2011 إلى الآن؟ هل كانت فضيحة الحكم الإداري الصادر لفائدة القاضي البشير العكرمي و ما جاء بمستندات القرار من ارتكاب المجلس لأخطاء قانونية بدائية تثير الشبهات القطرة التي أفاضت صبر رئيس الدولة؟
عينة فساد و حالة من حالات بؤس القضاء
لعل اللافت هذه المرة هو هذا الشعور العام لدى المواطن بأن هذا المجلس بقدر ما يمثل من عبء مادي يستنزف المالية العمومية بقدر ما يمثل أغلب أعضاؤه عينة فساد و حالة من حالات بؤس القضاء، اللافت أيضا هو إصرار نفس الوجوه عن الدفاع عن منظومة فاسدة أثبتت الممارسة أنها تسير في ركب حركة النهضة و أخواتها بل من الواضح أن هذه الزمرة التي صنعت لنفسها من البطولات الزائفة و “النضالات” المشبوهة تريد أن تقنع كل هذه الجموع الغاضبة التي تتظاهر أمام مقر مجلس القضاء العدلي للمطالبة بحلّه و رحيله بدون رجعة بأن قرار الرئيس هو إحدى أدالة إرادة الاستبداد.
لا نريد فتح الملفات القديمة و لا نريد أن ننكأ الجراح لأن الجميع يعلمون أن قائمة القضاة الفاسدين معلومة لدى القاصي و الداني و أن جنوح البعض للتمترس وراء مرصد أو جمعية قضاة أو نقابة لا يمكنه أن يمسح ذلك الماضي المهني المشبوه الذي لا يخفى على أحد.
لا يمكن اليوم القبول بهذا التقاعس القضائي المفضوح في البت في قضايا الإرهاب كما لم يعد مقبولا أن تبقى الجرائم الإرهابية بلا عقاب رادع لأن هناك قضاة باعوا ضمائرهم للشيطان.
حين نسمع تصريحات السيد رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوحازر الرافض للاستجابة لقرار حل هذا المجلس و نرى هوية من يسانده و من يدفعه إلى مثل هذه العنتريات الفاشلة لا بدّ من الإصرار على محاكمة هؤلاء الموظفين المتنطعين الذين دفعهم الغرور و النرجسية لخرق القانون و تجاوز كل الخطوط الحمراء.
كيانات مصطنعة تتجاوز سلطة الدولة
لا يمكن اليوم القبول بمثل هذه الكيانات المصطنعة التي تتجاوز سلطة الدولة، لا يمكن القبول بمسرحية هابطة مكررة اسمها “حكاية سهام بن سدرين و هيئة الحقيقة و الكرامة”، انتهى عهد ” العزرى أقوى من سيده” و لا مكان لدكاكين يتم فيها ذبح الفضيلة القضائية من طرف بعض المستهترين بقيمة العدالة و الخدم لمشروع تدمير الدولة التونسية و رعاية الإرهاب و من يقفون وراءه،
من الواضح أن رياح التغيير الشعبية آتية هذه المرة و ما جاء على لسان الرئيس من عزم على عدم التراجع يأتي ليؤكد لهؤلاء أن اللعبة قد انتهت و جاء وقت الحساب.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك