حسب رأي كثير من الخبراء في القانون والدستور، من حق رئيس الجمهورية بموجب الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها يوم 52 جويلية 2022 أن يحلّ المجلس الأعلى للقضاء، لا سيما إذا رأى أن القضاء لا يقوم بواجبه المعهود ولا ينظر بالسرعة و المصداقية الكافيتين في مطالب الشعب والمواطنين وقضاياهم التي تراكمت بمرور السنوات.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
من المعلوم تاريخيًّا أن سلطة القضاء لا تعلو على سلطة الدولة والقانون، رغم أنه ينبغي أن يكون مستقلا لا تتدخل في أحكامه أعلى سلطة في البلاد، ولكنه القضاء الذي يتبع إجراءات التقاضي المعلومة قانونا دون تدخل من شخصيات أو تلقي رشًى أو التغاضي عن فتح ملفات خوفا من نفوذ فلان أو سلطة فلان، بمعنى أنه لا بد أن يكون القضاء قويا يمارس أعماله وفق ما تقتضيه المصلحة العامة دون تراخٍ ولا تلكؤ ولا محاباةٍ ولا مساومات، فإذا ظهر على هذا المستوى من القوة مع نشر العدل بين المواطنين والتعجيل في البت في القضايا، فإنه يكون مُهابا من الجميع حتى من مؤسسة الرئاسة.
القضاء ليس فوق السلطة
أما إذا نخره الفساد، وأصبح عبئا على الدولة، تاركا الملفات يتراكم بعضها فوق بعض دون نظرٍ وبتٍّ في تفاصيلها وإصدار أحكام لها، فهذا عين الفساد، إذ يعطّل مصالح المواطنين ويؤخر الجلسات ويؤجلها لحاجة في نفس القاضي، ومن ثم يقضي على هيبة القضاء مع مرور الزمن، ويشكك في نزاهته وحرصه على نشر العدل والقضاء على الجريمة أيا كانت قوتها وخطرها، ويسمح للقضاة الذين يدغدغ المالُ مشاعرهم بأن يسلكوا مسالك مشبوهة بدعوى أن القضاء سلطة عليا في البلاد لا يحق لأحد التشكيك في نزاهته وغيرها من الدعاوى الباطلة، فهذه النظرية أو النظرة للقضاء خاطئة تماما يجب تغييرها وهو ما حدث في تونس اليوم.
حسب رأي كثير من الخبراء في القانون والدستور، من حق رئيس الجمهورية بموجب الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها يوم 25 جويلية 2021 أن يحلّ مجلس القضاء الأعلى، لا سيما إذا رأى أن القضاء لا يقوم بواجبه المعهود ولا ينظر في مطالب الشعب والمواطنين وقضاياهم التي تراكمت بمرور السنوات، فالقضاء الذي لا يحكم بالعدل ولا يسعى أو يبادر إلى حل المشكلات في البلاد بطريقة صارمة وحازمة وسريعة لا يستحق أن يُهاب، بل من الضرورة إيقاف هذا النزيف التراكمي لأنه يساعد على بث الجريمة وانتشارها.
هنا لا يفهم القارئ الكريم أننا نتهجم على القضاة أو نسخر من أعمالهم، أو نحط من قدرهم، وإنما نريد أن نبعث برسالة مفادها بأن القضاء في تونس لم يقع إصلاحه بعد الثورة بل إنه تشوه كثيرا عبر السنوات الماضية.
ضرورة إعادة ترتيب البيت القضائي
ولكي ننظف هذه السلطة في البلاد لا بد من قرارات من السلطة الأعلى وهي مؤسسة الرئاسة التي يُمكنها أن تصدر مثل هذه التعليمات لإعادة هيكلة القضاء حتى يكون مستقلا فعلا وقادرا على ممارسة مهامه بحرية مطلقة ودون تدخل مباشر في أحكامه، أما فيما يتعلق بالقرارات اللوجستية والإدارية فمن حق رئيس الجمهورية في هذه الحالة أن يفتح المجال مرة أخرى لإعادة ترتيب البيت القضائي إذا رأى به خللا كبيرا كما نشاهده اليوم.
وقبل اتخاذ هذه الخطوة الجريئة، نبّه السيد قيس سعيد القضاء أكثر من مرة أن يتحمل مسؤوليته كاملة في أكثر من جلسة رئاسية سواء في اجتماع الحكومة أو خلال لقاءاته الثنائية مع رئيس الحكومة أو أحد الوزراء، أو في خطاباته إلى أن توصل إلى قناعة بعد إلحاح الشعب التونسي عليه ومطالبته بحل مجلس القضاء الأعلى بأن هذا القرار ينبغي أن يصدر، وقد حدث ذلك أثناء زيارته ليلة 5 فيفري 2022 وزارة الداخلية وإعلانه أن المجلس القضائي بات في عداد الماضي.
وعلى القضاة الشرفاء أن يفهموا أن القضاء يخضع في النهاية لسلطة الرئيس من الناحية الإدارية والإجرائية المتعلقة بعمل القضاة إذا ثبت تلكؤ أو إخلال بالمهنة أو تعنت وإصرار على التحفظ على ملفات كان ينبغي أن يسرع إلى النظر فيها وإطلاق الأحكام عليها، وعلى رئيس الجمهورية أن يدرك أن قراره ينبغي أن يكون وفق إجراءات قانونية بحتة لا شُبهة فيها لانتقام أو ثأر أو تسلط أو ما شابها ذلك، وعليه أن لا يتدخل في أي حكم من الأحكام التي يصدرها القضاة الشرفاء ولا يمارس أي نوع من الضغط لتغيير حكم أو إصدار حكم حتى لو كان ذلك الحكم يمسه أو يطاله، وبهذه الصورة نستطيع أن نتحدث عن القضاء النزيه وعن سلطة القضاء في تونس.
وما على السياسيين الذين يركضون وراء سراب ويعارضون إجراءات الرئيس أن يكفوا عن مهاتراتهم وخزعبلاتهم لأنها لا تقدم ولا تؤخر مهما فعلوا ولم تعد لهم قاعدة شعبية يمكن من خلالها أن يؤثروا على القرار لذلك فهم كمن يحرث في البحر لا بديل لاحتجاجاتهم ولا مكانة لهم لدى التونسيين لأن شعاراتهم جوفاء وقراراتهم بلهاء ومخططاتهم عمياء.
* محلل سياسي.
شارك رأيك