يبدو أنّ سكان منطقة جبل جلود، وهي ضاحية تقع جنوب العاصمة تونس، استأنسوا بتجربة الغرافيتي وفن الشارع، وهي تجربة فريدة من نوعها في تونس والعالم العربي، وأصبحوا أكبر داعم لهذه التظاهرة الثقافية التي تُخلّد ذكرى الزعيم السياسي الفقيد شكري بلعيد الذي اغتاله الإرهاب يوم 6 فيفري من عام 2013.
عندما تأسّس الملتقى الدولي شكري بلعيد للفنون سنة 2018، كانت رسوم الغرافيتي إحدى دعائمه. فقد حوّلت الرسومات حيطان منازل هذه المنطقة إلى لوحات بديعة ذات ألوان زاهية وكستها حللا بهيّة.
وخلال الإعداد لهذه الدورة الخامسة من الملتقى، بادرت 500 عائلة من المنطقة بالاتصال بهيئة المهرجان من أجل تزويق جدران البيوت برسومات الغرافيتي التي وجدت صداها لدى الأهالي ولم تعد حكرا على فئة من الشباب.
ومنذ انطلاق أشغال هذه الدورة يوم غرّة فيفري الحالي، تجنّد الفنانون المشاركون من تونس ومن عدد من الدول الأجنبية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وبلجيكا وفرنسا ليرسموا بأناملهم لوحات نابضة بالحياة ألوانها ساحرة تهمس للمارّة بأسرار وذكريات هذه المنطقة الشعبية التي تحكي طيبة قلوب أهلها وحبّهم للفن والثقافة.
الواقع المعزز
والمميّز في هذه الدورة أن رسومات الغرافيتي اكتسحت مبانيَ تصل ارتفاعاتها إلى 30 مترا، فوشّحتها برسومات وجداريات عملاقة تُحاكي الحياة اليومية للمنطقة التي تعجّ بالحركة. وبدأت الجداريات تبوح بجمالها بعد أن خطى الرسامون أشواطا كبرى في إنهائها، فكانت التعبيرات حرّة ومتنوعة منها رسومات الغرافيتي باعتماد الخطوط على غرار لوحات محمد السوداني وطاهر عبيد، أو اعتمادا على الأزياء والتجسيد كلوحات الفنان اسكندر تاج، أو باعتماد الطيور موضوعا للوحات ومن المشاركين من كانت الهندسة المعمارية لمنطقة جبل جلود أو المنطقة الصناعية منطلقا لعمله، وهي ما تميّز خاصة لوحات الفنانين الأجانب. وتشترك جميع الجداريات والرسومات في التعبير عن قيم التسامح والتعايش السلمي بين الشعوب.
ومن خصوصيّات هذه الدورة أيضا توظيف التكنولوجيا في فن الغرافيتي عبر تطبيق “la réalité augmentée” (الواقع المعزّز). وعن مميّزات هذا التطبيق، يقول المدير الفني للدورة الخامسة من الملتقى حسين معلال، إن الواقع المعزز هو نوع من الواقع الافتراضي يولّد عرضا مركبا للمستخدم يمزج بين المشهد الحقيقي الذي ينظر إليه المستخدم والمشهد الظاهري الذي تم إنشاؤه بواسطة التطبيق والذي يعزز المشهد الحقيقي بمعلومات إضافية، بحيث لا يمكن فيه إدراك الفرق بين العالم الحقيقي وما أضيف عليه باستخدام تقنية الواقع المعزز.
تعبير عن المقاومة والتمرّد
وعن طرق توظيف تقنية الواقع المعزّز في فن الغرافيتي، بيّن حسين معلال أن الجدارية يمكن قراءتها عبر تطبيق “scan QR code” وتحميلها على الشبكات الاجتماعية ممّا سيساهم في التعريف بمنطقة جبل جلود وبفن الغرافيتي. وأضاف أن هذه التكنولوجيا التي يشتغل بها فنانو الغرافيتي في الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت متاحة في تونس ومن أهم الفنانين التونسيين الذين يشتغلون عليها حاليا الفنان فواز الزياتي.
لقد استطاع ملتقى الدولي شكري بلعيد للفنون أن ينحت هويته الفنية الخاصة به وهي الغرافيتي وفن الشارع عموما، فهذه الرسومات التي طالما ظهرت بطرق غير منظمة كتعبير عن المقاومة والتمرّد على الظلم والاضطهاد ويُنظر إليها على أنها تخريب وعبث بالجدران ويرسمها مجهولون خوفا من العقوبات، تبنّتها هذه التظاهرة وأضحت أكثر تنظيما وتستقطب أعدادا متزايدة مع كلّ دورة، كما أصبح رساموها معروفون ويضعون توقيعاتهم على كلّ جدارية، بحسب المدير الفني للملتقى الفنان حسين معلال.
شارك رأيك