في العريضة التالية مجموعة من المنظمات و الجمعيات و شخصيات المجتمع المدني في تونس تندد بتنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بالجمعيات وترى فيه ضربا لمكتسباتها.
تتابع الديناميكية النسوية، التي تأسست بعد 25 جويلية 2021 والتي قامت على قيم النسوية وحقوق الانسان حفاظا على مبادئ دولة القانون والديمقراطية، والمناضلات النسويات، بكل انشغال المستجدات السياسية والتجاوزات القانونية الأخيرة التي تشرع للحكم الفردي والاستئثار بالسلطة. ومن بين هاته المستجدات، التسريب الأخير لمشروع المرسوم المنقح للمرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات بمبادرة من رئاسة الحكومة والذي يعرض حاليا أمام مختلف الوزارات لإبداء النظر.
وبعد الاطلاع على النسخة المسربة من مشروع تنقيح المرسوم عدد 88 ، لا يسع الديناميكية النسوية الا أن تعبر عن عميق انشغالها الى ما الت إليه الأوضاع السياسية والقانونية والمؤسساتية في تونس, بما في ذلك التهديدات التي تطال مبدأ حرية الجمعيات معتبرة أن هذا المشروع يمثل انتكاسة لحرية الجمعيات التي ناضلت من أجلها أجيال من المناضلات و المناضلين و يخفي في طياته رغبة للانفراد بالحكم و نظاما لا يعترف بوجود القوى المعارضة و الأجسام الوسيطة من المجتمع السياسي و المجتمع المدني علما و اننا تصدينا لهذه المحاولات في عهود سابقة و لم تثنينا عن تمسكنا بالمرسوم و الذي نعتبره أحد أهم مكاسب الثورة.
تعبر الديناميكية النسوية عن رفضها القطعي لمشروع تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 لما يحمله في طياته من تضييق على حرية تأسيس الجمعيات وحرية العمل الجمعياتي في تونس كما أقرتها الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية.
ذلك أن هذا المشروع يمنح الإدارة سلطة تقديرية واسعة تمكنها من رفض تكوين الجمعيات وشبكات الجمعيات (الفصول 10 و27) أو حل منظمات المجتمع المدني ” اليا بقرار صادر عن الإدارة المكلفة بالجمعيات برئاسة الحكومة” (الفصل33) أو عند ارتكابها ” لمخالفات جسيمة تقدرها الإدارة” (الفصل45). من الأوجه الخطيرة أيضا لهذا المشروع هو محاولة اضعاف الجمعيات من خلال إقرار وجوبية الحصول على ترخيص مسبق من اللجنة التونسية للتحاليل المالية لقبول المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية (الفصل 35) وإقرار شرط المشروعية بالنسبة للعائدات الناتجة من مشاريع الجمعية (الفصل34) دون بيان لمعنى لفظ “مشروعة” و تركه قيد السلطة التقديرية للإدارة مقابل تخلييها عن مسؤولياتها تجاه المواطنات و المواطنين و تعويلها على منظمات المجتمع المدني للقيام بالمهام المعهودة اليها على غرار مناهضة العنف ضد النساء و وضع مراكز الانصات و التوجيه و الايواء لفائدة النساء ضحايا العنف و التمكين الاقتصادي للنساء و الفئات الهشة.
من جهة أخرى، فان مقتضيات ذات المشروع تحمل خرقا واضحا لمبادئ وحقوق دستورية عبر إنفراد الإدارة بسلطة تقديرية واسعة، ومن بين هاته المقتضيات منع مسيري الجمعيات من الترشح للانتخابات الرئاسية أو التشريعية أو المجالس المحلية وفي ذلك خرق فادح للمبدأ الدستوري المتعلق بحرية الترشح المضمن بالفصل 34 من دستور 2014. يتواصل خرق الحقوق المضمنة بالدستور في الفصل 5 من المشروع الذي يضرب عرض الحائط الحق في النفاذ الى المعلومة عبر رهنه بشرط “المصلحة التي لا تتعارض مع التراتيب القانونية الجاري بها العمل في الغرض” والحق في التظاهر عبر اخضاعه لشرط “الالتزام بالتراتيب القانونية الجاري بها العمل” والحريات الأكاديمية عبر إضافة شرط “النزاهة والحرفية والضوابط القانونية والعلمية المستوجبة “.
المشروع يتضمن كذلك عبارات فضفاضة التي من شأنها أن تفتح باب التأويل على مصراعيه على غرار العبارة الواردة بالفصل 4 : ” كما يحجر عليها تهديد وحدة الدولة أو نظامها الجمهوري و الديمقراطي “, عدة تعقيدات في الإجراءات و تعديدا للوثائق المستوجبة لتأسيس الجمعيات دون أن تكون منها أي جدوى أو وجوبية الاستظهار بجملة من الوثائق الجديدة مثل “بطاقة الإقامة للأجانب…نسخة تثبت استغلال المحل بوجه شرعي…الخ” (الفصل10+16+32) أو تضمنه لشرط “الأهداف المتماثلة” (الفصل26) لتأسيس شبكات الجمعيات و في ذلك محاولة من السلطة التنفيذية لإضعاف الجمعيات بوصفها قوة ضغط يتزايد تأثيرها باتحادها.
كما يحمل هذا المشروع قيودا أخرى على غرار إمكانية عرقلة نشاط الجمعيات ان “خالف التراتيب القانونية الجاري بها العمل“ (الفصل6) أو الاقتصار على المنظمات التي تمارس “نشاطا يهدف الى تحقيق المصلحة العامة شرط أن لا يتعارض مع قوانين البلاد التونسية” في ما يخص بعث فروع للمنظمات الدولية (الفصل20), و في ذلك حد من حرية تأسيس الجمعيات و تغييب لدورها كقوة اقتراح و ضغط و توعية مواطنية و يقظة ديمقراطية خاصة عندما يتعلق الامر بالقضايا التي تحيد فيها الدولة التونسية بقوانينها و ممارساتها عن المعايير الدولية و مبادئ حقوق الانسان و التي تمثل التزامات لها عبر مختلف المعاهدات و الاتفاقيات المصادق عليها.
في الأخير، يحمل هذا المشروع خلقا “لذوات معنوية جديدة”, أطلق عليها اسم مؤسسات النفع العام الوطنية، والتي «تحدث بمقتضى تصرف قانوني يتم من خلاله تخصيص دون رجعة فيه لأموال أو حقوق أو منافع قصد انجاز عمل يهدف الى تحقيق النفع العام” (الفصل 20)، ولسائل أن يتساءل عن الغاية من وراء احداث هاته الذوات أو لعلها تكون محاولة من السلطة التنفيذية لتمرير المشروع السياسي لرئيس الجمهورية عبرها و قد كان أحرى بالمرسوم إعطاء صبغة النفع العام الى الجمعيات التي تعمل فعليا لخدمة الصالح العام بطلب منها.
و بناء عليه فانه لا يسع الديناميكية النسوية الا أن تعبر عن رفضها المطلق لهذا المشروع السالب للحرية و المتناسي للنضالات و المراكمات السابقة . تؤكد تمسكها بما جاء في المرسوم عدد 88 لسنة 2011 من أحكام و مقتضيات مشددة على ضرورة مواصلة تطبيقه لضمان مناخ جمعياتي نقي و هادف حسب المعايير الدولية و بعيدا عن كل مقاربة المراقبة الماقبلية و الأمنية وأيضا عن أي تدخل سالب للحريات من السلطة التنفيذية خاصة في ظل الأحكام الاستثنائية و الحالة الغير المسبوقة التي تشهدها الدولة التونسية و التي لا يمكن أن تشكل بأي حال من الأحوال ذريعة للمس من الحقوق و الحريات المضمونة بالدستور و المعاهدات الدولية.
أخيرا، تدعو جميع مكونات المجتمع المدني في تونس و المناضلات و المناضلين الى الالتفاف حول التمسك بالمرسوم و تكوين جبهة للتصدي لاي محاولة من السلطة التنفيذية لقمع العمل الجمعياتي او تضييق عليه.
عاشت نضالات التونسيات والتونسيين…
الجمعيات الممضاة :
جمعية أصوات نساء
الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات
جمعية بيتي
جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية
جمعية المرأة والمواطنة للكاف
جمعية توحيدة بن الشيخ
جمعية كلام
جمعية أمل للعائلة والطفل
جمعية جسور بالكاف
جمعية صوت حواء بسيدي بوزيد
جمعية ريحانة بجندوبة
جمعية دعم المبادرات في القطاع الفلاحي
الشخصيات الممضية :
السيدة حفيظة شقير
السيدة بشرى بالحاج حميدة
السيدة درة محفوظ
السيدة منية بن جميع
السيدة سلوى كنو
شارك رأيك