أنكر الإعلامي إبراهيم عيسى في إحدى إطلالته اليومية في برنامج “حديث القاهرة الذي يذاع على قناة “القاهرة و الناس” حادثة المعراج. “مفيش معراج و هذه قصة وهمية”، هكذا أراد إبراهيم عيسى أن يخرج الثعابين السامة و أن يزرع بذور معركة قذرة بين من مع و من ضد، لذلك خرج علينا من ينهون و من يأمرون و من يحرّمون و من يحللون، جنازة شبع فيها الجميع لطما.
بقلم أحمد الحباسي *
طبعا هناك من كتب عن إبراهيم عيسى و سبّ و شتم وهو لم يشاهد ما قاله الرجل و هناك من وجد في هذا الرأي مجرد ممارسة طبيعية لعنوان كبير اسمه حرية التعبير و هناك من وجه سؤالا للحكومة المصرية يطالبها فيه بمعاقبة هذا “الزنديق” الذي تطاول على المقدسات و هناك طبعا من اكتفى بخطاب العقل و الرويّة بدل اللغط و الشتيمة.
إبراهيم عيسى ليس صعلوكا إعلاميا و ليس قلما يمكن إغفاله و ليس رأيا لا يمثل إلا نفسه. إبراهيم عيسى ظاهرة فكرية تسبح دائما في المياه العكرة و تستبيح كل شيء تحت يافطة كبرى إسمها حرية التفكير و التعبير لذلك لا يمكن أن لا تثير تصريحاته و كتاباته مثل هذه الزوابع الإعلامية التي تضاهى التسونامى عند جماعة الأحوال الجوية.
رجل معروف تماما باتجاهه المعاكس
ربما يظن البعض أن ما صدح به السيد إبراهيم عيسى هو مجرد زلّة لسان أو رأى على الماشي، هذا غير صحيح على الإطلاق لأن الرجل معروف تماما باتجاهه المعاكس و خوضه في المسائل الشائكة و عشقه للمغامرات الجدلية التي تثير الأعصاب.
إبراهيم عيسى هو كاتب سيناريو أفلام “مولانا” و “الملحد” و “صاحب المقام” وهي أفلام تناولت مواضيع حساسة و محرمة في رأى العديد من النقاد و المتابعين جسدها كبار نجوم السينما في مصر. أفلام إبراهيم عيسى أثارت دائما سحابة كريهة و عواصف من المشاعر التي تدينه و تدين أفكاره التي لا يرى فيها الناس إلا دعوات مفضوحة لضرب العقيدة و المعتقدات.
حين يحاول البعض تجميع الصورة لعلهم سيتساءلون عن حسن أو سوء نية عن السر الكامن وراء ما تضمنته سيناريوهات أفلام السيد إبراهيم عيسى من تناول مواضيع محرمة و مختلف عليها و بين مساندته المعلنة لما تضمنه فيلم “أصحاب و لا أعز” من مشاهد و أفكار أسالت كثيرا من الحبر الناقد و تهجمه المستمر على الصحابة و الخلفاء نهاية إلى إنكاره للمعراج.
المؤسسة الدينية دائما فى حالة الدفاع
هنا تتكاثر و تتناسل الأسئلة : هل اختار السيد إبراهيم عيسى السباحة عمدا في المياه الآسنة؟ إيه الصح و إيه الغلط فيما يقوله؟ هل نطق الرجل كفرا أم أبدى رأيا ؟ هل يحق تكفير الرجل و كل من يقف فى صفه؟ هل كتب لهذه الأمة أن تكون أمة خلاف و اختلاف؟ هل يقصد السيد إبراهيم عيسى إثارة النعرات و بث خطاب الفرقة؟ ما دخل علمانية الرجل و العلمانية في الموضوع أصلا ؟ هل يحق للجميع مناقشة مسألة بأهمية موضوع الإسراء و المعراج و هل نحتاج إلى مؤهلات دنيا للخوض في المسائل الدينية؟ لماذا تقف المؤسسة الدينية دائما فى حالة الدفاع إن لم تتميّز بالصمت و الغياب؟
“هل صعد الرسول الكريم في المعراج إلى السماوات العلا بالجسد والروح، أم كان رؤيا منام؟”. على حد علمنا المتواضع فإن الإسراء و المعراج معجزة خص الله بها نبيّه المصطفى صلى الله عليه و سلم تكريما له و ليطلعه على بعض من آياته الكبرى. قال الله تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (الإسراء).
بمطالعتنا نقرّ أن هناك اختلافا بين كبار المفسرين و العلماء و كل من تناولوا هذا الموضوع بالبحث بل نكاد نذهل حين يعجز علماء الأزهر و دار الإفتاء المصرية عن حسم المسألة مكتفين بردود غائمة عائمة و حمّالة لكل المعاني و حين يخرج علينا هؤلاء الدعاة الذين شغلوا الناس و كسبوا الأموال الخيالية خاوي الوفاض ليزيدوا من منسوب الحيرة و الأفكار المتلبدة.
العقل في متاهات الجدل العقيم
لذلك ليس عيبا أن نتعفف عن الدخول في متاهات الجدل العقيم بعد أن عجز كبار علماء الأمة عن توضيح و تبسيط الخلاف. ليس عيبا أن نطالب كل من يريد الإدلاء بدلوه أن يبتعد عن الغلو و الشعارات و الاتهامات و الرمي بالباطل كل ذلك بغاية الإيحاء الكاذب بعمق المعرفة.
ربما اشتهر السيد إبراهيم عيسى بمقالاته و تصريحاته المثيرة و اعتبار نفسه من قيادات التنوير مشبها نفسه بالكاتب الراحل فرج فودة أو أحد حملة المشعل بعد الكاتبة الراحلة نوال السعداوي و ربما يذهب البعض على الجانب الآخر إلى تشبيه الرجل بالكاتب الهندي ذوى الجنسية البريطانية سلمان رشدي صاحب كتاب “الآيات الشيطانية” الذي تسبب في إهدار دمه لكن من الثابت أن مواجهة ما يعتبره البعض خروجا عن الإجماع الديني و محاولات مستمرة لضرب العقيدة و المقدسات لا يكون بالعكاظيات اللفظية كما ذهب إلى ذلك النائب و الإعلامي الشهير مصطفى بكري أو بالبيانات الجافة التي خرجت من دور الإفتاء أو بإحالة الرجل للمحاكمة أو بهذا الهرج و المرج الذي نسمعه من ألسنة كثير من البسطاء و العامة الفاقدين للألف باء فقه في الدين بل بإعادة صياغة دور مؤسسة الإفتاء لتكون مرجعا فقهيا ينهل منه الجميع و لا يتخلف عنها إلا من مسّ من الشيطان.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك