“تشنّ روسيا منذ يوم أمس الخميس هجمات متواصلة على عدة مدن في كامل التراب الأوكراني. وتأتي هذه الهجمات العدوانية بعد أسابيع من الدعاية الحربية المحمومة وتعبئة قوى عسكرية هي الأهم في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية، وبين روسيا المدعومة ضمنيا من الصين من جهة ودول الحلف الأطلسي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثانية. وإذا كانت روسيا تتعلل بحماية أمنها فإنّ القوى الامبريالية الغربيّة تتخفّى كعادتها وراء شعارات حماية الديمقراطية وسيادة الدول. ولكن الأمر هو غير ذلك في الواقع. إنّ ما يجري في أوكرانيا وحولها هو صراع استعماري محموم، في ظل أزمة خانقة للنظام الرأسمالي العالمي زادها حدة وباء “كورونا”، مداره إعادة اقتسام مناطق النفوذ في العالم ونهب الثروات الطبيعية للشعوب والسيطرة على مصادر الطاقة وخاصة الغاز وتصدير الرساميل ومراقبة المواقع الاستراتيجية.
إنّ الامبريالية الأمريكية تحاول جاهدة الحفاظ على موقعها الهيمني في العالم، بعد أن أصبح مهدّدا من كافة النواحي الاقتصادية والتجارية والسياسية والعسكرية. لذلك فهي تغرس مخالبها في الدول التي كانت سابقا تابعة لمنظومة الاتحاد السوفياتي وتعمل على إلحاقها بالحلف الأطلسي لمحاصرة روسيا وكبح جماحها في المنطقة والعالم وتوجيه ضربة للعلاقات التجارية والطاقية بين أوروبا وروسيا بهدف إبقاء البلدان الأوروبية تحت جناحها وتوظيفها في صراعها الأساسي والاستراتيجي، لا مع روسيا فحسب وإنما مع الصين التي تعتبرها المنافس الأوّل الذي يهدد هيمنتها في العالم. أمّا روسيا، مثلها مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فهي لا تتحرك دفاعا عن الشعب الأوكراني وسيادته وإنّما حفاظا على مواقع نفوذها في المنطقة وتوسيعها حتى لا يصبح الحلف الأطلسي على حدودها مباشرة. وهي تسعى إلى تمتين علاقاتها بالصين في كافة المجالات لتشكيل حلف معها وتحسين شروط مواجهتها لخصومها الغربيّين.
لقد تحوّلت “الحرب الباردة” للمدة الفارطة إلى مواجهة عسكرية اليوم محورها أوكرانيا التي تتمتع بموقع استراتيجي مهم وتملك مخزونا هائلا من الثروات الطبيعية تسعى كل قوة امبريالية إلى وضع اليد عليه. وما من شك في أنّ التعبئة العسكرية الحالية وانطلاق الهجمات العدوانية الروسية على مواقع في الأراضي الأوكرانية بعد الاعتراف بمنطقتين انفصاليّتين، يحمل مخاطر جدية على مصير الشعب الأوكراني الذي سيدفع الثمن الرئيسي لهذه المواجهة الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، وعلى السلم في أوروبا والعالم خاصة إذا اتسعت رقعة الصراع والمواجهة.
إنّ حزب العمال يُدين هذه الحرب ومختلف الأطراف التي تغذّيها وتشارك فيها ويقف إلى جانب الشعب الأوكراني وكل القوى المحبة للسلام في العالم التي تطالب بوضع حد لهذا النزاع واحترام سيادة الدول.
كما أنه يستنكر تخلّي السلطات التونسية عن المئات من التونسيات والتونسيين، معظمهم من الطلاب، ويطالبها بأن توفر لهم إمكانات العودة فورا إلى وطنهم توقّيا من أذى الحرب الدائرة.
حزب العمال
تونس في 25 فيفري 2022″.
شارك رأيك