“إذا واصلت الدائرة المختصة في زجر أخطاء التصرف بمحكمة المحاسبات العمل بنفس الوتيرة، سيتطلب الأمر 133 عاما حتى يتم الفصل في الدعاوى المرفوعة إلى موفى 2019 فقط الآن لدى الدائرة والتي بلغ عددها 400 دعوى”. هذه هي النتيجة التي خلص إليها مرصد رقابة إثر دراسة أعدها في الموضوع.
أصدرت دائرة الزجر المالي أواخر سنة 2020 تقريرها المتعلق بالفترة الممتدة بين سنة 2012 وسنة 2019. وهو التقرير الأول الذي أعدته الدائرة ورفعته إلى رئيس الجمهورية منذ سنة 2012. رغم أن الفصل 24 من القانون عدد 74 لسنة 1985 يقتضي أن ترفع الدائرة سنويا تقريرا يتضمن عرضا لنشاطها إلى رئيس الجمهورية بشكل سنوي.
صدر هذا التقرير ولم يهتم به أحد، ولم يحصل بشأنه أي نقاش رغم الاستخلاصات الخطيرة المتعلقة به.
مرصد رقابة اطلع على التقرير المتكون من أكثر من900 صفحة، واستخرج استخلاصاته، وأعد جداول تفصيلية حول المعطيات الواردة فيه. وينشر اليوم للرأي العام نبذة أولى عن مضمون التقرير.
تهاون السلطة التنفيذية في الحفاظ على المال العام
التقرير أظهر بالكاشف تهاون السلطة التنفيذية في الحفاظ على المال العام وزجر أخطاء التصرف. حيث لم يتجاوز عدد القضايا التي تمت إحالتها من مختلف الهياكل الحكومية والإدارية طيلة 8 سنوات (2019-2012) سوى 341 قضية، أي
بمعدل 42 قضية سنويا.
كما أظهر التقرير تهاون دائرة الزجر المالي في التعاطي مع تلك القضايا. حيث لم تفصل طيلة هذه المدة إلا في 30 قضية، أي بمعدل 3 قضايا سنويا. منها 25 قضية تتعلق بدعاوى مرفوعة قبل سنة 2012. أي أن الدائرة لم تفصل سوى في 5 قضايا من أصل 341 دعوى مرفوعة خلال الفترة الممتدة من سنة 2012 الى سنة 2019. أي بنسبة انجاز 1,5 بالمائة.
ولم يتضمن التقرير ما يفيد متابعة مآل التتبعات التأديبية المقترحة والمحالة إلى السلطة التنفيذية أو المتخذة من طرفها والقضايا المرفوعة في التجاوزات التي شكلت جنحا أو جنايات. وهو ما دفع المرصد الى التقدم بمطلب نفاذ الى المعلومة الى السيد رئيس محكمة المحاسبات لمده بعدد الملفات التي تعهدت بها دائرة الزجر المالي خلال السنوات من 2011 إلى 2019 وانتهى التحقيق فيها إلى وجود أمور من شأنها أن تشكل جنحة أو جناية وتم إحالة نظير منها إلى وزير العدل، مع مد المرصد بتفصيل يتضمن تاريخ الإحالة والجهة التي رفعت الدعوى وصفة الطرف المشتكى به.
يذكر أن دائرة الزجر المالي هي هيئة قضائية حكمية لها صلاحية محاكمة مرتكبي أخطاء التصرف، التي تقترف إزاء الدولة و المؤسسات العمومية الإدارية والجماعات المحلية وكذلك المنشآت العمومية. يرأسها الرئيس الأول لدائرة
المحاسبات. ويتقاسم تركيبة هيئتها الحكمية قضاة من المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات. هذه الهيئة الحكمية أحدثت في سنة 1970. وتطور نظامها القانوني تدريجيا لتعزيز المنظومة القضائية المالية لحماية التصرف في الممتلكات
والأموال العمومية، وردع كل التجاوزات الادارية.
التقرير المذكور أعلاه أعد إثر صدور القانون المتعلق بمحكمة المحاسبات عدد 41 المؤرخ في 30 أفريل 2019، الذي حل دائرة الزجر المالي، وأسند اختصاص زجر أخطاء التصرف إلى الدائرة المختصة صلب محكمة المحاسبات. كما وسع صلاحية رفع الدعوى لدى محكمة المحاسبات، حيث أصبحت تشمل كذلك رؤساء الهيئات الدستورية والتعديلية وأعضاء مجلس نواب الشعب. كما أصبح وكيل الدولة العام لدى محكمة المحاسبات يتمتع بصلاحية إثارة الدعاوى من تلقاء نفسه في مجال أخطاء التصرف.
أهم الاستخلاصات :
تم الفصل في 30 دعوى خلال الفترة الممتدة من سنة 2012 الى سنة 2019، منها 3 دعاوى مرفوعة من طرف الرئيس الأول لدائرة المحاسبات و25 دعوى مرفوعة من طرف الوزراء وعدد 2 دعاوى مراجعة مفصلة كالتالي :
• عدد 12 قرار يقضي بالإدانة وبتسليط خطية
• عدد 02 قرار يقضي بالإدانة مع الإسعاف بعدم تطبيق الخطية
• عدد 07 قرارات يقضي بعدم سماع الدعوى
• عدد 01 قرار يقضي برفض الدعوى شكلا
• عدد 01 قرار يقضي بسقوط التتبع بمرور الزمن
• عدد 01 قرار يقضي برفض الدعوى لعدم الاختصاص
• عدد 04 قرارات تقضي بالحفظ
• عدد 02 قرارات تقضي برفض دعاوى المراجعة
توزع القرارات حسب السنوات كالآتي:
4 قرارات سنة 2012
3 قرارات سنة 2013
0 قرار سنة 2014
0 قرار سنة 2015
2 قرارات سنة 2016
0 قرارا سنة 2017
3 قرارات سنة 2018
18 قرارات سنة 2019
المدة الفاصلة بين تاريخ رفع الدعوى وتاريخ صدور القرار تراوحت بين 2 سنوات وسبعة أشهر و11 سنة وشهر وتجاوز معدل الفصل في الدعاوي مدة 7 سنوات.
من أصل 3 دعاوى تم رفعها من طرف الرئيس الأول لدائرة المحاسبات تم الحكم برفض 2 دعاوى لسقوط حق التتبع بمرور الزمن وعدم الاختصاص.
جملة الخطايا المسلطة في كل القضايا 32.465 دينار موزعة كالتالي :
– 8 قرارات تضمنت تسليط خطايا بنسبة 1/12 من الأجر السنوي الخام اي الحد الأدنى
– 3 قرارات تضمنت تسليط خطايا بنسبة 1/6 من الأجر السنوي الخام
– 1 قرار تضمن تسليط خطايا بنسبة 1/4 من الأجر السنوي الخام
هذه الأرقام الكارثية تؤكد أنه لم تكن هناك أي إرادة لردع أخطاء التصرف طيلة الفترة الماضية. رغم أن تلك الأخطاء، التي يرتقي بعضها إلى جرائم ضد المال العام والقانون، زادت مع ضعف الدولة وارتفاع نسب الفساد في البلاد.
وهو ما جعل الاحالة على الزجر المالي “عقوبة” لا تعني شيئا للموظفين المتورطين في أخطاء تصرف، لأن البت في ملفاتهم قد يتم بعد وصولهم التقاعد اصلا. ولاحظنا في مناسبات عديدة أن بعض الموظفين يفرحون باحالة ملفات
تجاوزاتهم على دائرة الزجر المالي لأنه لا خشية من قرارات جدية ردعية من طرفها.
مرصد رقابة يدعو إلى الاعتبار من هذه الصدمة، وإلى تفعيل دور الدائرة المختصة بالزجر المالي، كما يدعو أعضاء تلك الدائرة إلى الفصل في القضايا المعروضة عليهم. ويدعو مختلف الوزراء والرئيس الاول للمحكمة للمحاسبات
لتكثيف رفع الدعاوى من أجل تحقيق زجر جديدة وصارم لكل التجاوزات والأخطاء الإدارية المنتشرة في مختلف الهياكل.
للاطلاع على تقرير دائرة الزجر المالي كاملا، يرجى الدخول الى هذا الرابط.
شارك رأيك