يجمع الطيف السياسي في تونس على ضرورة الدخول سريعا في حوار يضم جميع التونسيين دون إقصاء، إلاّ من أقصى نفسه، و كان الرئيس قيس سعيد قد تحدث منذ شهور طويلة عن الحوار و لا زال يتحدث عنه، و لكن لحد كتابة هذه السطور لا حوار و لا يبدو انه سيكون، و يجمع التونسيون أن بدائل عدم الحوار وخيمة على الوضع الإجتماعي و الإقتصادي و السياسي المتأزم أصلاً، لكن ما هي أشكال الحوار و ما هي أطرافه و هل نضجت شروطه ؟
بقلم توفيق زعفوري *
من يدعون إلى الحوار هم من ساسة 24-جويلية، و حتى من هم يدعمون إجراءات 25-جويلية، لكن هذا الخليط و هذا الطيف الواسع غير متجانس بالمرة و يحمل في روحه نزعة تفردية إقصائية، بدءا من الرئيس نفسه حيث مافتئ في كل إطلالة يعمق الشعور باحتقار النخب السياسية و المثقفين أو جلّهم، و لا يبدو أنه من أنصار الحوار و التحاور حتى و إن تحدث عنه في مرات معدودات…
الرئيس غير متحمس للحوار مع أي كان
في الواقع، لا يرى الرئيس في محاوريه القدرة على الخروج بحلول فعلية لأزمات البلاد ناهيك عن ضعف ثقته في الجميع تقريبا، ثم أن أطراف الحوار متضادة، و متباعدة فكريا و أيديولوجيا و سياسيا و حتى في إطار ارتباطاتها بالخارج تبدو متباعدة و غير متقاربة، رغم تغير العلاقات الجيوستراتيجية مؤخرا، فلا الدستوري الحر يريد التحاور مع غيره، و لا هو معني بالحوار أصلاً، و لا هو مستعد للجلوس مع النهضة، في أي أمر يهم تونس و التونسيين، و لا الرئيس مستعد للجلوس مع النهضة و مع الدستوري الحر، و لا مع اليسار المعتدل الذي كان من أنصار 25-جويلية، ثم انقلبوا لما انقلب الرئيس على الدستور وفق قولهم، و قد قال فيهم مؤخرا إنهم كانوا يأملون في نيل المناصب و لما فشلوا في التسلل إليها، انقلبوا إلى المعارضة، كما تحدث أن مستقبل تونس يقوم على الإرادة الشعبية، لا عن شرعية وهمية لفضها التونسيون في إشارة إلى منظومة ما قبل 25-جويلية، فهي إذن منظومة سبب في الأزمة و لا يمكنها أن تكون جزءا من الحوار و لا جزءا من الحل. إذن مع من سيكون هناك حوار؟
قبل الحديث عن أطراف الحوار، لا يبدو أن شروط هذا الحوار ناضجة، لا المناخ السياسي يساعد عليه و لا السلم الأهلي يشجع عليه و لا حتى الظرف الاقتصادي رغم ضغوط الداخل و الخارج.
الرئيس يرى ما لا تراه الأحزاب
نظريا كل الأوضاع بجميع مستوياتها تعجّل بالحوار و بالحلول الفعّالة للخروج من الأزمة، لكن الرئيس يرى ما لا تراه الأحزاب و ما لا يراه أغلب التونسيين. الرئيس لا يثق إلاّ في الحكومة التي يبدو هو مُديرها و من يدِيرها و لا أثر إيجابي على أرض الواقع، عدى مراسيم لا تهم الشأن الاقتصادي و الاجتماعي.
كل شيء يسير بوتيرة بطيئة جدا لا تستجيب لمتطلبات المرحلة و الحديث عن الإصلاح بقي في مكاتب الإدارة و لم يخرج منها، و حتى الاستشارة الإلكترونية التي تعتبر البديل عن الحوار، لم تتقدم أكثر من 2٪ و قد شارفت على الانتهاء، فهي فشلت و لا تصلح أن تكون قاعدة لبناء سياسات أو توجهات مستقبلية لضعف المشاركة الشعبية فيها، إذ تبقى في عداد “رأي الأقلية” و لا يمكن للرئيس البناء عليها إلا بالباطل، و قد صارت إلى الارتباك أكثر عندما دعي إليها مديرو المعاهد الثانوية في رغبة واضحة لإقحام المؤسسات التربوية في المعارك السياسية، و هو ما يعني أن القائمين عليها يريدون إصلاح الخطأ بخطأ أكبر، و حتى إن تقدمت فلن تبلغ ال20٪ في أقصى الحالات.
الواضح أن الاستشارة كانت فقط مضيعة للجهد و الوقت و قد ولدت ميتة أصلاً…
الذهاب إلى المجهول
على مستوى آخر، ضغوط الداخل و الخارج تبدو غير مشجعة على الدخول في حوار، و لقاءات الرئيس مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل ليست حوارا و لا يمكن البناء عليها و إن تعددت، حتى إن مناهضي 25-جويلية و المرسوم 117 و إن اجتمعوا كما اجتمع الأضداد ذات 18-أكتوبر فلن تكون جبهتهم قادرة على التحاور و الخروج بمقترحات و قد انطفأت شمعتهم و خفّت جذوتهم كما لو أنهم لم يكونوا. فهؤلاء يريدون حوارا دون الرئيس…
كنت قد قلت في مقالات سابقة أنه لن يكون هناك حوار مع أي كان، و لا زلت مصرا على رأيي: لن يكون هناك حوار على الأقل في المنظور القريب، و السياسة يديرها الرئيس من قرطاج من خلال المراسين و الأوامر و سيصل الأمر كذلك إلى حين تنضج ظروف أخرى و رياح مواتية…
و لكن، في الأثناء، تتظل الأوضاع العامة في البلاد متردية وهو ما قد لا يساعد على إنضاج ظروف الحوار بل قد يسرع بأحداث جليلة تؤدي بنا إلى المجهول.
* محلل سياسي.
شارك رأيك