ربما بدأ هؤلاء الذين خرجوا ليلة 25 جويلية 2021 يعيدون التفكير فى كل ما حدث منذ تلك الليلة الفارقة إلى الآن و ربما بدأت كثير من علامات الاستفهام تطرح نفسها و لعل هناك من بات يطالب السيد الرئيس قيس سعيد بتقديم حصيلة ما أنجزه منذ تلك الليلة لحدّ الساعة.
بقلم أحمد الحباسي *
من الواضح من متابعة الوضع و التصريحات و من أكثر من طرف أن حصيلة الرئيس و رغم كل السلطات التي استجمعها دون حسيب أو رقيب لا تتعدى الصفر المكعب و أن الوضع العام في البلاد لا يبشر بالخير على كل المستويات بما فيها المستوى الأمني. زد على ذلك ما سيترتب عن اندلاع الحرب في أوكرانيا من انعكاسات سلبية على مستوى ارتفاع أسعار النفط و الغاز و الحبوب تأثر القطاع السياحي و ندرة بعض المواد الأساسية مثل القمح المورد.
ماذا تفعل حكومة السيدة نجلاء بودن ؟
لعل أكثر الأسئلة تداولا هو ماذا تفعل حكومة السيدة نجلاء بودن و هل هناك حكومة أصلا و لماذا تصر هذه الحكومة على سياسة الصمت و هل أن هذه الحكومة تستشعر خطر الوضع الاجتماعي المتفجر و هل أن السيدة رئيسة الحكومة على علم بكل التقارير الأمنية التي تفيد أن الغليان الشعبي قد بلغ من الخطورة ما يجعلها تفكّ عقدة الصمت؟
من الواضح أن الرئيس لا يهتم فعلا و بالملموس بالوضع الاقتصادي و بضرورة تحقيق انفراج سريع على مستوى ارتفاع الأسعار و ندرة المواد الغذائية يضاف إليها تواصل انهيار قيمة الدينار التونسي.
نعم سيادة الرئيس ليس له تفاعل جاد و عملي مع الواقع و يكتفي للأسف الشديد بتلويك و اجترار بعض الشعارات و مما زاد الطين بلّة أنه اصطفى من الوزراء من فقدوا حاسة النطق و التفاعل و بذل النصح و يكفى أن تلاحظ ذلك السكون العام الذي نراهم فيه في مجلس الوزراء.
لا أحد في حكومة الصمت يريد أن يعارض منطق الرئيس و انفعالاته و استدراكاته الكثيرة و لا أحد يريد أن يمارس حق الاختلاف المبرر و لا حق معارضة نزوات السيد الرئيس من باب وجهة نظرهم أن الصمت حكمة مع أن صمتهم على عبثية المشهد الوزاري قد تحول إلى جريمة دولة في حق المواطن.
ماذا غيرت وابل المراسيم الرئاسية في حقيقة معاناة المواطن الاجتماعية و الاقتصادية ؟ لا شيء بالبنط العريض. لماذا لا يتجه الرئيس أو حكومته رأسا و بدون شعارات رنانة فارغة إلى أصل المشكل الاقتصادي؟ هل تكفى “الحملة التفسيرية” التي يقوم بها السيد الرئيس في كل اجتماع لمجلس الوزراء لحل كثبان المشكل المتراكمة على أكثر من واجهة و من صعيد؟ أين الدبلوماسية الاقتصادية و لماذا يصر الرئيس على انتداب وزير خارجية فشل في كل المهمات و لماذا لا يكلف الرئيس نفسه عناء مطالعة الدراسات الاقتصادية التي يعدها إتحاد الشغل و التي تضمنت كثيرا من الحلول للأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس من سنة 2011؟
دولة تساس بالطريقة الرعوانية للحملات التفسيرية
لا يمكن لدولة أن تساس بهذه الطريقة الرعوانية و بمثل هذه التصرفات الانفعالية و بهذه الرؤية القصيرة المدى و لا يمكن للسيد الرئيس أن يجد في تأويل النصوص الدستورية و إخراجها من سياقها القانوني و المنطقي حجة لا تحتمل الردّ و النقد و لا يجب أن يظن السيد الرئيس نفسه مالكا للحقيقة أو معصوما من الانتقاد و على كل هؤلاء الذين ينتسبون إلى تفكيره أن يستفيقوا بعض الشيء ليتقبلوا انتقاد الآخرين لأخطاء السيد الرئيس و ما أكثرها.
لعل من أكثر الأقاويل الباطلة شيوعا لدى محيط الرئيس أنه الشخص الوحيد الذي يواجه حركة الإخوان و مرشدها كما أنه الشخص الوحيد الذي يواجه منظومة القضاء الفاسدة و لذلك على معارضيه الصمت و الخجل. لكن و لنفترض صحة هذه الترهات فأين النتيجة على أرض الواقع و هل تمت محاسبة الحركة و قياداتها و هل تم اختراق المنظومة المالية المشبوهة لحركة النهضة و هل تم كشف حقيقة علاقة الشيخ راشد الغنوشى بالاغتيالات أو بالجهاز السري أو ملف تسفير الإرهابيين إلى سوريا أو ما سمي بملف “أوريدو” الذي تحدثت عنه هيئة الدفاع في ملف الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمى.
لا ندرى حقيقة النوايا الحقيقية للسيد الرئيس فى تعامله مع مجلس القضاء العدلي و لا ندرى لماذا يكتفي الرجل بالتلميح دون التصريح و لماذا حوّل الرئيس معركة تطهير القضاء إلى معركة شخصية صرفة مع أن هذه المعركة هي معركة شعب تم استهدافه طيلة أكثر من سبعين سنة؟
معاريك طواحين الريح لا تفيد الناس في شيء
لماذا يريد الرئيس أن يواجه المنظومة القضائية وهو شبه أعزل و هل يظن سيادته أن معركة تطهير القضاء هي معركة شعارات و ضغوط و إصدار مراسيم و تغيير أشخا؟
لقد كان على السيد الرئيس أن يأخذ العبرة من معركة طواحين الريح التي شنّها ضد المحتكرين و التي دفع الشعب فاتورتها و ضريبتها بعد أن مارس هؤلاء حرب إشعال الأسعار و احتكار المواد الغذائية نكاية في الرئيس؟ ألا يدرى السيد الرئيس أن ضرب منظومة قضائية فاسدة يحتاج إلى كثير من الفطنة و الدهاء السياسي و أن العمل في صمت هو أقوم السبل و أن سياسة فرّق تسد مطلوبة؟ لذلك لا بدّ للرئيس ومن يقفون في صفه أن يراجعوا أنفسهم حتى لا يبقى الرئيس مجرد بهلوان لا يلتفت إليه أحد.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك