في الحرب الجارية منذ أيام في أوكرانيا بعد الهجوم العسكري الروسي و محاصرة العاصمة كييف، الغرب يدفع ثمن سياساته الخاطئة واستخفافه بمفعول الإهانة والتجرؤ على أمة عظيمة في حجم روسيا القيصرية و ذلك بعد سقوط الإتحاد السوفياتي.
بقلم الصحبي بن فرج
الحرب الكونية الثانية كانت نتيجة مباشرة للشروط المهينة التي فرضها المنتصرون في الحرب الكونية الأولى على ألمانيا. و إذلال الأمة الألمانية أدى إلى صعود النازية، وانتخاب أدولف هتلر الذي أشعل أكثر الحروب دموية ودمارا في تاريخ الإنسانية.
بعد الحرب الثانية، استخلص المنتصرون الدرس وعملوا على تحويل ألمانيا واليابان المهزومتين إلى أمم صديقة وتفادوا إهانة وإذلال شعبيهما ونجحوا في ذلك.
الولايات المتحدة وحلفاؤها أمعنوا في إهانة الأمة الروسية
في المقابل، وعقب نهاية الحرب الباردة التي انتهت بسقوط جدار برلين وانهيار الإتحاد السوفياتي، أمعنت الولايات المتحدة وحلفاؤها في إهانة الأمة الروسية معتبرة أنها ستكون فريسة سهلة الالتهام وكانت الآلية المعتمدة الثورات الملونة و”القوة الناعمة”، تشجيع الأقليات العرقية على الانفصال و ضم دول شرق أوروبا وبعض الجمهوريات التي انفصلت عن روسيا إلى حلف الناتو بحيث تكون روسيا محاصرة ومخترقة في انتظار قيام “ثورة ملونة” أو “ربيع روسي” كانت كل الأجهزة الغربية (والروسية) تستعد لها بعد استكمال الطوق.
الإهانة والإذلال وخطر الاندثار حرك الدولة العميقة في روسيا : أبعدت بوريس يلتسين وجاءت برجل المخابرات فلاديمير بوتين لتنطلق عملية الانقاذ ورد الاعتبار للأمة الروسية : حرب الشيشان، أبخازيا، جورجيا، التدخل العسكري في سوريا، احتلال القرم وأخير اجتياح أوكرانيا.
الغرب يدفع ثمن سياساته الخاطئة واستخفافه بمفعول الإهانة والتجرؤ على أمة عظيمة في حجم روسيا القيصرية.
العالم يدخل بعنف مرحلة القطبية المتعددة
استراتيجيا، العالم يودع نهائيا مرحلة القطبية الواحدة ويدخل بعنف مرحلة القطبية المتعددة: القطب الغربي الأمريكي من جهة والقطب الروسي الصيني وحلفاؤه من جهة أخرى، وقد تولد من رحم المعركة أقطاب أخرى بدرجات متفاوتة من القوة والتأثير : المانيا وحلفاؤها، اليابان وحلفاؤها، وربما إيران وأتباعها أو تركيا وتوابعها…
وضعية التنافس بين مختلف الأقطاب، في جميع المجالات، ستستفيد منه حتما الدول الوطنية التي تسعى لمزيد من التحرر والمناورة وتحسين وضعها التفاوضي على الساحة الدولية.
الحرب الأوكرانية مؤلمة وخطيرة ولكن… قد تكون فرصة.
طبيب و ناشط سياسي.
شارك رأيك