مشكلة الكروش الكبيرة لأغلب السياسيين الذين حكموا في تونس بعد ثورة 2011 أثارت و تثير كثيرا من اللغط، في كل مرة يخرج إلينا أحد الوزراء بكرشه الكبيرة المترامية الأطراف يبرز السؤال الدائم التكرار : من أين لك هذا يا هذا؟ سبب السؤال أن هؤلاء الذين تولوا أمرنا في لحظة عبث تاريخية و بالذات في حكومة ما يسمى ب “الترويكا”، على رأى السياسي الساخر عبد الوهاب الهانى، كانوا يعانون قبل الثورة من الضمور البدني و “لحمة على العظم” كما يقال قبل أن يتحولوا ببركات هذه الثورة المتنازع حول تاريخ مولدها إلى أصحاب كروش متدلية و فيض من الشحوم الزائدة.
بقلم أحمد الحباسي *
بطبيعة الحال و كما يقول كبارنا “الفلوس تطرّى” و الظاهر أن الجماعة الإسلامية التونسية و بعدما حكمونا بالحديد و النار طيلة عقد من الزمن مستنزفين خزائن الدولة و ناهبين أموال الهبات الخارجية صاروا من أصحاب الجاه و المال غير عابئين و على رأى القول الشائع “المال كثير و لا خوف عليهم من الفقر”.
إضراب جوع أم مسرحية سياسية سمجة ؟
مشكلة السمنة و الكروش الكبيرة صارت متفشية و سمة حصرية لكثير من قيادات حركة النهضة و على رأسهم نورالدين البحيرى الذي أضرب عن الطعام منذ “اختطافه” كما تقول الجوقة التي أقامت الدنيا و لم تقعدها مع أن بعض الظرفاء لا يرون في هذا الإضراب إلا مجرد مسرحية لا تختلف عن إضراب جوع جميلة العرافة في إحدى حلقات مسلسل “شوفلى حلّ”.
المثير في هذا الأمر أن قيادات النهضة مع إدراكهم أن الوزن الزائد و تراكم الدهون أمر غير محبذ بالنسبة لأشخاص في مثل سنهم مصرّون على ابتلاع كل ما لذ و طاب و نهب كل ما “ينتمي” للمال بصلة، دولار، يورو، دينار، مجوهرات، لا يهم لان الأهم هو أن يحصلوا على التعويضات بكل الأشكال.
لم تنفع مع “الجماعة” كما يسمون أنفسهم حملات كشف مخططاتهم و تآمرهم و نهبهم للمال العام و لمقدار الهبة الصينية من طرف صهر رئيس الحركة رفيق بوشلاكة و لا خطب الرئيس قيس سعيد الأسبوعية التي تتهمهم علنا بالفساد و الرشوة بل زادت تلك الحملات من شراهتهم و استغلال قرارات ليلة 25 جويلية 2021 لمطالبة مؤجريهم و كل من ينتسب لخطهم التكفيري بضخ مزيد من الأموال.
جلود الزعماء خشنة مثل جلود التماسيح
بطبيعة الحال لا يمكن أن يقوم البعض مثل نجيب الشابى و الصافى سعيد و جوهر بن مبارك و غيرهم بإنشاء منظومة “مواطنون ضد الانقلاب” و يسخرون أوقاتهم و “قراجمهم” و ما ابتدعوه من شعارات و يفرطون فى بعض ما تبقى لديهم من حمرة الخجل و يرضون بكل هذا “التسخسيخ الشعبي” دون مقابل سخي من حركة الشيخ راشد الغنوشى كما لا يمكن لعاقل أن يتصور أن هذا الأخير لم يدفع دم قلبه خاصة في هذه الفترات العصيبة التي تمرّ بها حركته المشلولة لمجرد أن يلتقط صورة تذكارية مع شخوص لفظتهم الانتخابات و أفرزتهم بالوعات ديوان التطهير السياسي حتى يظهر لمموليه الخليجيين أنه لا يزال على قيد الحياة السياسية و أن ما تلفظ به حين طلب منه بعض “المنشقين” بالاستسلام و رفع الراية البيضاء و التنحي الاختياري من كون جلود الزعماء خشنة و لا تختلف عن جلود التماسيح هو واقع لا يمكن لبعض القرارات المرتجلة لرئيس الدولة أن تفتّ فيه و هو الذي تلذذ عيش الكبار و بات من ذوى الجاه و السلطان.
في واقع الأمر هناك من ذهبت به أحلامه بعيدا حين ظن مجرد الظن أن الرئيس قادر على محاسبة أصحاب الكروش الكبيرة و الحسابات البنكية الوفيرة و لعل الرئيس قد بني كل آماله على هيكل قضاء ينخره الفساد حتى يحاسب من سماهم بالحيتان الكبيرة و من بينهم و أولهم قيادات حركة النهضة الذين فاحت رائحتهم و كشف القاصي و الداني حجم ما نهبوه من أموال و مجوهرات و ما ملكوه من عقارات.
لقد كشفت ما يسمى فضيحة البنك السويسري و قبلها فضيحة أوراق بنما أن أصحاب الكروش قد استطاعوا تهريب المليارات فى هذه الجنات الضريبية و أن حديث الرئيس عن استرجاع هذه المليارات هو مجرد شعار للاستهلاك المحلى و أن الحركة و قيادة الحركة ما كانوا يستطيعون تهريب هذه الثروات الطائلة لولا تواطأ بعض الجهات الأجنبية . من الواضح و بالأدلة أن قيادات الإخوان في تونس و بعد أن عادوا من الخارج ببركات الثورة لم يجدوا إلا سلوك السرقة و الاحتيال و نهب خزينة الدولة و القيام بكل ما يجب للاستحواذ على أهم الأملاك المصادرة، المشكلة أنه لا يزال هناك من يدور في ذهنه أن هذه القيادات العميلة لا يزال لها مكان و أنها تتعرض للتشويه و كما يقال “الجهل مصيبة”.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك