ليس من شك ان اندلاع الحرب في أوكرانيا، التي لها دوافع خفية وبارزة، له تداعيات خطيرة خاصة على المدنيين هناك، وعلى السلم العالمي، وعلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للبلدان الضعيفة والفئات الهشة. وأظن أن تونس، بعد إلقاء نظرة سريعة على مواقفها الرسمية بخصوص هذه الحرب، توفقت إلى حد ما في أن تصنع لنفسها رؤية من منظور وطني ومستقل.
بقلم فتحي الهمامي *
هذه الرؤية الوطنية المستقلة تنطلق من تطلعات تونس بشأن ما يجب أن يسود عالمنا اليوم من سلم وتعاون وتضامن، وتأخذ بعين الإعتبار أيضا إمكانياتها ومصالحها علاوة على ما خفي من دوافع هذه الحرب.
وفي مقابل وجهة النظر هذه بخصوص الحرب طلع علينا – منذ يومين على وسائل الاتصال الاجتماعي – رجل منظور من أولائك الوزراء السابقين برأي ليس بجديدا وإن تَصَنَّعَ الرجل العلم وقال إنه موقف من منظور الشريعة.
الخادمي والمغازلة الفجة للمشاعر الدينية
وهذا المنظور، الذي أسس عليه نور الدين الخادمي رأيه، ليس سوى مغازلة فجة للمشاعر الدينية وإضفاء حجاب ديني زائف على تصور سياسي تقليدي له ولأمثاله من الإخوان المسلمين كان يقود دائما مواقفهم.
فما أبعد منظوره عن الاستناد إلى العلوم الجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية أو إلى غيرها من علوم هذا الزمان، إذ فضل الاعتماد على علوم قديمة فاتها الزمن منذ زمان فأضحت فاقدة للعلمية مخالفة للمعرفة. ولكن ها هو يقوم بتجميرها بعد إخراجها من قبورها بغاية توظيفها واستعمالها من جديد.
ولا يخفى على أحد أن ذلك التصور – كما يظهره تاريخهم – أفرز مواقف لا توصف بغير الانحياز إلى وجهة النظر الأمريكية، وبالانقياد إلى الموقف الأطلسي، بل لا ترى حرجا في تبرير الانخراط في عمليات التقويض والتدمير هنا وهناك (سوريا وليبيا مثلا) في سبيل تجسيم أهداف السياسة الأمريكية والأطلسية في العالم.
وبالطبع ليس بجديد ان يصل وزير الشؤون الدينية الأسبق بموقفه إلى الانحياز التام إلى النظرة الامريكية والأطلسية ومعانقتها بالكامل بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية. فالمصلحة الفئوية هي المبتدأ وهي المنتهى خاصة في الظروف المتسمة بانحدار المشروع الإخواني.
تونس والدعوة إلى حل النزاع بالحوار والتفاهم
ولكن على نقيض السابق اتسم الموقف الرسمي التونسي حول النزاع الروسي/ الأوكراني عموما بالتوازن وتميز بالدعوة الواضحة إلى السلام وإلى نبذ الحرب.
فتونس لم تنقد إلى موقع الانحياز إلى هذا أو ذاك من طرفي النزاع، وخاصة التبعية إلى محور الحلف الأطلسي وتلك القوى المتورطة في الحروب على الشعوب والمتلاعبة بحقوقها ومصائرها. فهو موقف ينسجم في روحه مع مصلحة البلاد ومع القانون الدولي ومبادئه التي نريدها ان تتجسم فعليا في فلسطين وتسود العالم جميعه. وتونس سارعت إلى تكذيب بلاغ السفارة الأوكرانية بتونس عندما ادعت أن وزير خارجيتنا ندد بروسيا، ولم تسارع أيضا إلى الانسحاب من جلسة الأمم المتحدة (بمثل ما فعل عدد كبير من الأعضاء) عندما ألقى وزير خارجية روسيا كلمته مفضلة الاستماع إليه ولكنها صوتت في المقابل على قرار الجمعية العامة التي فسرته فيما بعد على أنه دعوة إلى حل النزاع بالحوار والتفاهم.
وذلك هو الفارق بين المصلحة الفئوية والمصلحة الوطنية.
* ناشط في مجال حقوق الإنسان.
شارك رأيك