إذا أردنا الحديث عما يحدث في ولاية نابل من أين نبدأ و هل لا يزال هناك مجال للصمت و من نتهم و على ماذا سنسكت و حتى إذا تكلمنا فمن سيستمع و من سيتحرك و على كل حال هل يمكن تصديق أن حكومة السيدة نجلاء بودن لا تعلم و لا تملك أدلة دامغة و لا تأتيها التقارير الأمنية و هل يمكن تفهم أن الرئيس قيس سعيد لا تصله هذه التقارير و مع ذلك فلماذا لا تتحرك الدولة و الأجهزة القضائية لكشف الفساد و محاكمة الفاسدين؟
بقلم أحمد الحباسي
طبعا هناك شرفاء في ولاية نابل و لكن من الواضح أن منظومة الفساد قد انتصرت و صارت عصيّة على المتابعة و المحاسبة، هذه المنظومة تتكون طبعا من بعض القضاة و الأمنيين و المحامين و رجال الأعمال و المهربين و بعض الهامشيين الذين يؤدون أدوارا إعلامية للتعتيم و التشهير بكل من يتعرض لهذه المنظومة الفاسدة.
الفساد يعم كل مؤسسات الدولة بما فيها القضاء
هناك سر كبير تتكتم عليه وزارة الداخلية يتعلق بأسباب إعفاءات بعض المسؤولين في ولاية نابل لعل آخرهم إعفاء معتمد دار شعبان الفهرى و هناك شخصيات نافذة في ولاية نابل يتحدث الجميع عن علاقتها بأمراء التهريب و الاحتكار و هناك اتهامات صريحة على لسان الأستاذة غفران حجيج موجهة إلى أكثر من طرف بين قضاة و كتبة محاكم و محامين و كوادر أمنية و رجال أعمال و مهربين و تجار مخدرات و هناك ملف القاضي السيد خالد عباس الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بنابل الذي يصفه العارفون مثل رئيس جمعية القضاة السيد أنس الحمادي بكونه من يقوم بأدوار متعددة مشبوهة من بينها تدخله حاليا في سير بعض ملفات الفاسدين و سابقا في ملف محاكمة النائب المجمد عضويته زهير مخلوف و ملف رجل الأعمال مراد الخشين و ملف مالك قناة تونسنا عبد الحميد بن عبد الله (مع انتظار ما قد يتأكد من الاتهامات الموجهة لكل هؤلاء من طرف القضاء). و بطبيعة الحال و أمام كل هذا الخور و التواطىء و حالة الإفلات من المحاسبة و العقاب لا يمكن أن نفاجأ بما يحدث في ولاية نابل من تجاوزات و نهب لخيرات البلاد.
منذ فترة قصيرة كشفت صحيفة “الشروق” عن أحد أكبر قضايا الفساد في ولاية نابل و التي تعلقت بظهور بنايات و فيلات بالمسابح على شواطئ منطقة الدراوفة التابعة لبلدية المعمورة على طول الشريط الساحلي بين المعمورة و تازركة و نابل.
طبعا و رغم حجم هذه الفضيحة باعتبار أن عملية البناء ممنوعة قانونا و أن ما تم من تجاوزات في حق الشريط الساحلي لا يمكن أن يحصل لولا وجود تواطىء من عدة جهات على رأسها والي المكان و بقية أعضاده لم يتم اتخاذ أية إجراءات عاجلة كما لا يزال هذا الملف في الرفوف.
لعل دخول القطب القضائي المالي و الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على الخط و مطالبتهما بالتسريع فى فتح ملفات الفساد التي تنخر الولاية و من بينها ملف وزير سابق متهم بالاستيلاء على قرابة 25 هكتار يعطي الدليل القاطع أن رائحة الفساد قد فاحت و زكمت الأنوف لكن السؤال يتكرر : أين الدولة؟
هل تربح الدولة حرب تطهير البلاد من الفساد ؟
لماذا كثر اللغط و القيل و القال هذه الأيام حول ما يقع في ولاية نابل و لماذا وصل الحال حد استنجاد مواطني الولاية بالرئيس قيس سعيد و الإلحاح عليه لزيارة الولاية و هل تحتاج الولاية إلى عملية تطهير لإبعاد كثير من المسؤولين و كيف تتم محاسبة الفاسدين في ظل وجود و تدخل و نفوذ وكيل الجمهورية خالد عبّاس و إلى متى سيظل الصمت سيد الموقف في ملف نهب مقاطع الرمل العشوائية التي درّت المليارات على بارونات الفساد بالولاية؟
إلى متى سيظل ملف التلاعب فى إسناد رخص سيارات الأجرة و ملف المقاطع الرملية إضافة إلى ملف التدقيق في التصرف في علاقة ببعض بلديات الولاية التي تتستر على البناء الفوضوي و الإستيلاء الفاضح على الملك العمومي البحري؟
إلى متى سيتم التعتيم على ملف أعداد ضحايا الكوفيد و مناقشة مسؤولية الجهاز الصحي الجهوى و اللجنة الجهوية للتصدي لهذا الوباء؟
لماذا يتم التعتيم على حقيقة الوضع فى علاقة بانتشار المخدرات خاصة فى ظل الاتهامات الصادرة من بعض المحامين و المتابعين للشأن العام بكون هناك تستر مفضوح على كبار بارونات توريد المخدرات ؟
من المنتظر أنه و بعد تسمية و أداء القسم لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء سيتم فتح الملفات الكبرى التي تخص الفساد بكل عناوينه الصادمة لكن المهم أن يقوم المجتمع المدني بدوره كاملا إضافة إلى وجوب إعادة هيكلة المنظومة الأمنية في الولاية بحيث يتم تكليف قيادات لم تنلها الشبهات.
لا يمكن للدولة أن تربح حرب تطهير البلاد من الفساد دون وضع إستراتيجية واضحة و فاعلة بإمكانها وضع الفاسدين فى مأزق حقيقي و لعل هناك من الكفاءات الأمنية التي تمت إحالتها على التقاعد و التي يعرف الجميع قدرتها للتصدي لمافيا الفساد.
ما يحدث في ولاية نابل ليس حكرا على هذه الولاية فقط بل أنه من الواضح أن الفساد قد شمل كافة الولايات دون استثناء و لذلك لا يمكن إخراج التركيز على ولاية نابل هذه المرة من دائرته العادية انتهاء إلى القول بأن الحرب على الفساد قد أصبحت فرض عين و لم تعد فرض كفاية.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك