الرئيسية » تونس : الدعم بين بطن المواطن و جيب الفاسدين

تونس : الدعم بين بطن المواطن و جيب الفاسدين

شرائح واسعة من المجتمع التونسي لا تستطيع الحصول علي الزيت النباتي المدعم.

عندما تعلن الدولة الحرب علي الفساد لا بد أن تعلن في نفس الوقت الحرب علي العقليات الجامدة والقوى الجاذبة للوراء حتي تستطيع الدولة إطعام شعبها ناهيك عن توفير العيش الكريم والأمل في  المستقبل له. و لعل في عجز الدولة عن التخلي عن منظومة الدعم للمواد الأساسية رغم فشلها خير دليل على غياب الإرادة السياسية لإنجاح مثل هذه العملية…

بقلم الدكتور أمين سقير

لا يختلف إثنان ان منظومة الدعم في تونس لا تفي بالغرض من ناحية النقص المزمن في العرض في حين تتمسك الدولة بأنها تضخ كميات كافية من المواد المدعمة في السوق وهذا صحيح نظريا. 

تدعي الدولة أيضا أنها تسعي إلي توجيه الدعم إلي  مستحقيه وهذا أيضا صحيح نظريا،

ولكن على أرض الواقع تبقى مجهودات الدولة كمن يحرث في البحر لأن منظومة الدعم الحالية خلقت لتكون فاسدة”Flawed By design”بما أن الفارق بن السعر الحقيقي والسعر “المدعم” يخلق  فرصا لا تعد ولا تحصى للإثراء غير المشروع كما أنه يحث حثا على التهريب والتبذير وتغيير الوجهة.

في الواقع المسألة في النهاية تتعلق بقدرة المواطن التونسي المالية علي اقتناء المواد الغذائية الأساسية لعائلته وتوفر كميات كافية منها حسب عدد أفراد العائلة، فإذا كان من المستحيل علي سبيل المثال لشرائح واسعة من المجتمع التونسي الحصول علي الزيت النباتي المدعم فلماذا تواصل الدولة دعمه حتي تذهب أموال الدعم إلى جيوب لا تستحقه؟

لماذا لا تقدم الدولة نقود الدعم مباشرة لجيب المواطن لتدعم قدرته الشرائية و تترك له حق اختيار نوعية الزيت النباتي الذي يريده؟

لماذا تواصل الدولة الإنفاق علي منظومة فاشلة لتعليب و توزيع الزيت النباتي المدعم في حين أن السوق قادر علي توفير و توزيع الزيت النباتي بالكميات الكافية والسعر الحقيقي ودون حاجة لمراقبة مفرطة؟

الدولة قادرة بالفعل علي إحصاء الحاجات من المواد الغذائية الأساسية و تملك البنية التحتية الرقمية والمالية لتوزيع مبالغ مالية لدعم المقدرة الشرائية عبر بطاقات ذكية مؤمنة أو حسابات بريدية أو عبر ال mobile banking ويمكن بوسائل مختلفة اجتناب محاولات التحيل أو إنفاق الأموال علي غير الغذاء.

في الحقيقة ما يمنع الدولة من المضي في تلك الإصلاحات هو أيادي الفساد المخترقة للإدارة و عامل آخر أخطر من الفساد نفسه وهو الخوف من التغيير أو فقدان الإمتيازات… فعندما تعلن الدولة الحرب علي الفساد لا بد أن تعلن في نفس الوقت الحرب على العقليات الجامدة والقوي الجاذبة للوراء حتى تستطيع الدولة إطعام شعبها ناهيك عن توفير العيش الكريم والأمل في  المستقبل له. 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.