منذ شهر سبتمبر 2021 تعالت الأصوات في تونس من أحزاب المعارضة و أحزاب الموالاة لتقول أن الحوار السياسي ضروري لإخراج البلاد من ازماتها المتعددة و المزمنة، و تتالت النداءات من مختلف المنظمات الوطنية و الجمعيات غير الحكومية و الشخصيات الوطنية و الدولية، خلال الأشهر الماضية لتقوم بنفس الطلب، و لكن لا استجابة لهذه النداءات من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد، وهو المعني الأول بها,
بقلم توفيق زعفوري
رغم اشتداد الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية و الصحية، و رغم علم الجميع بأن بدائل عدم الحوار هو الصدام و التصادم الذي هو آخر ما تحتاجه تونس بكل أطيافها، لم يحرك الرجل الأول في الدولة ساكنا و لم يعر اهتماما لمطالب السياسيين و ممثلي المجتمع المدني و المثقفين و الفاعلين الاقتصاديين الذين لا يرون نجاة لتونس من أزمتها المتفاقمة بدون حوار سياسي جامع لا يستثني أي طرف وطني فاعل…
هل نضجت شروط الحوار الوطني فعلا ؟
لذلك لم يبدأ هذا الحوار إلى الآن، و بقطع النظر عن الأسباب الذاتية و الموضوعية لموقف الرئيس منه، السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو التالي : هل نضجت شروط هذا الحوار فعلا؟
من الواضح أن للرئيس موقفا متصلبا من المتحاورين إذ لم يستقبل بقصر قرطاج منذ شهور أي شخصية سياسية، عدى الأمين العام للمنظة الشغيلة نور الدين الطبوبي، و هي لقاءات متباعدة زمنيا و متوترة، إذ كلما تعالت لغة الطبوبي في الساحات، رد عليها الرئيس بأن حبل الهاتف موصول و أن الحوار موجود، و لكن لماذا لا يتحاور الرئيس إلا مع الطبوبي
سبق أن اجتمع الرئيس ببعض الوزراء في حكومة هشام المشيشي و بمختلف الفاعلين في الإقتصاد و التمويل من بينهم رؤساء المؤسسات المالية و ممثل المساحات التجارية الكبرى و غيرهم، عندما كانت تونس تحتاج إلى دعم و إلى إطلاق المشاريع المعطلة، استقبلهم في قصر قرطاج واحدا بعد الآخر، و كان بالإمكان وقتها تكوين نواة حوار، و لكنه تواصل مع الطبوبي أكثر من سمير ماجول رئيس منظمة الأعراف مثلا و أكثر من رئيس منظمة كونكت طارق الشريف و ما زال يرفض بشدة الجلوس مع زعماء الأحزاب و مع الفاعلين السياسيين و يشبه الجلوس معهم بحصص التعذيب.
لكن لنفترض أن الرئيس دعا إلى حوار وطني فمع من يكون؟ لا يبدو أن الرئيس متحمس للحوار مع من كانوا سببا في أزمات تونس و هو لا يستثني أحدا حتى الأحزاب التي لا تأثير لها في مجريات الأمور و التي تتعاطف مع توجهاته و تدعم إجراءات 25 جويلية .
الرئيس سعيد لا تستهويه موائد الحوار
هذا الموقف المحترز أو الرافض يشبه موقفه من الإعلام عموما ومن النخب المثقفة أو العائلات الحداثية، وهي اصطلاحات لا يحبذها الرئيس الذي يميل إلى الطبقات الشعبية و المفقرة، و هذا واضح من خلال جغرافية زياراته و لقاءاته، و آخرها يوم 16 مارس 2022 لدى استقباله المواطنة زينة الكشباطي.
الرئيس لا تستهويه موائد الحوار المستديرة و الطويلة، يريد أن يفعل كل شيء بنفسه و من خلال مجموعة وزراء انتقاهم بعناية فائقة و هم قليلو الظهور و الحضور، يعملون في صمت و بلا كشف حساب شعبي، فرئيسة الحكومة نجلاء بودن لم تنظم بعد 8 شهور أي ندوة صحفية، و لا نعرف طرائق تفكيرها و لا برامجها و لا خططها لتحقيق النمو و إدارة الشأن العام، كل ما نعرفه أنها – و أعضاء حكومتها – يعملون من خلال توجيهات و تعليمات الرئيس…
لعل الرئيس يشعر أنه لا يمكنه أن يجمع بين المتناقضات و المضادات و الخطوط المتوازية التي لا تلتقي أبدا، و عليه فإن نتائج هكذا حوار هو تعميق الأزمة و الصدام. هل بالإمكان دعوة الدستوري الحر و حزب حركة النهضة و الحزب الجمهوري و الاتحاد الجمهوري و المسار و حركة الشعب و التيار الديمقراطي و حزب الجمهورية الثالثة و باقي الأحزاب معا؟
فقط تخيلوا هؤلاء و قد انضاف إليهم الأمين العام لاتحاد الشغل و رئيس اتحاد الأعراف و عدد من الخبراء و من يرون أنفسهم قادرين على الإضافة.
لهذه الأسباب كانت الاستشارة الوطنية الإلكترونية بديلا عن موائد الحوار كونها مفتوحة للجميع و مع الجميع و لكن عن بعد!!
من يرى أن حل الأزمات بالحوار هو الأنسب لتونس و للمرحلة، فعليه أن يوضح خارطة الطريق و بنودها و سقفها الزمني و آليات تفعيلها بدل الحديث النظري، و في المقابل و إذا لم يكن بالإمكان جمع هذه الأحزاب على طاولة واحدة، فليس بإمكان الرئيس أن يعالج كل الأمور بمفرده دون الرجوع في ذلك إلى مؤسسات الدولة و رجالاتها و منظماتها الوطنية.
في الختام عدم الدخول في حوار هو إطالة للأزمة و ربما تدويل لها و هو بمتناقضاته “شر لابد منه” حتى في دوائر ضيقة، المهم ان تخرج تونس من أزماتها بسرعة و بأخف الأضرار.
محلل سياسي.
شارك رأيك