يحتفل التونسيون اليوم الأحد 20 مارس 2022 بالذكرى 66 لعيد استقلال تونس في أجواء تتسم بالغموض و التساؤل عما تخفيه الأيام القادمة في دوامة أزمة شاملة سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و في ظل حالة من التشرذم و الانقسام كنا نخال أن الدولة الوطنية قد قضت عليه من زمان.
بقلم العقيد محسن بن عيسى
لا شك أنّ الهوية الوطنية مُثبّتة لدى الشعب التونسي منذ الإرث النضالي التحريري، وأنّ محاولات تغييب الماضي المجيد لم تفلح في تحويل أبناء البيت الواحد بسبب فعل خارجي إلى مكوّنات دون تاريخ.
الاستقلال محطة هامة في تاريخنا
أعود إلى التاريخ لأقرأ الواقع على ضوئه وأستشعر عبر صور الزعيم الخلود وحكمة الزمن. ليس هناك حاجة لوضع علامات استفهام حول الاستقلال، فهناك اليوم في الأقل بعدٌ ثقافي لهذا المكسب، حتى ولو لم يكن مبنيا على إجماع سياسي، وحتى لو كان واضحا بأنه ليس مُعطًى طبيعيا.
لم يخطىْ سياسيو دولة الاستقلال عندما شدّدوا على “الوطنية” باعتبارها مُركّبا أساسيا لتعبئة النخب ونشوء الدولة التونسية. ولم تخطئ سياسة المفكر محمود المسعدي منذ 1957 ولمدة عشر سنوات من المراهنة على “التعليم”، أي “الوعي التنويري”، وتضمينه هذه المبادئ لمجابهة الجهل والتخلف.
لقد انتظم التاريخ أمامنا في تلك المرحلة في مجموعة من الصور التي تكون أقدمها باللونين الأبيض والأسود وأحدثها ملونة. ولكن جميعها فيها لمس النظر وكلام الروح وعبق الماضي وشرف المكانة. صور تشدّنا من كتاب الى كتاب ومن مرجع الى مرجع لأنها تفصح عن مشاعر نبيلة كامنة في اللاشعور فضلا عن كونها محطات مهمة في تاريخنا.
صحيح أنّ تأسيس الدولة الوطنية أفرز إشكاليات أبرزها تساؤلات من هم الوطنيون؟ وما هي الوطنية؟ وحسم هذا الأمر تدريجيا ومن خلال نضال طويل ومرير لترسيخ مفاهيم لذلك عبر مناقب المواطنة الجمهورية، والتضحية من أجلها، كما في التجنيد وتقديس العلم والنشيد وحبّ الوطن.
ومن الخطأ اليوم عدم استذكار هذه المحطة التاريخية بما يليق بها، ففي هذا الموقف توسيع لدائرة فراغ الهوية وعملية تجديد بناء الدولة، وفيه أيضا فسح مجال للتيارات الهدّامة الساعية لتهميش “الفكر الوطني” وإحلال “الرّاديكالية” محلّه على المستوى الأيديولوجي. هكذا ازداد التطرف والانقسام السياسي منذ أكثر من عقد وقبله داخل الوطن الواحد.
لا يحتاج الحبيب بورقيبة إلى التذكير بدوره ودور رجاله من سياسيين ومناضلين و “فلاقة” لتحقيق الاستقلال على مراحل، ” الداخلي والتام ” وفقا لمقتضيات الوضع الداخلي والظروف العالمية السياسية. وليس مصادفة أن يعلن منديس فرانس في قرطاج يوم 31 جويلية 1954 الاستقلال الداخلي لتونس والذي أدّى إلى الاستقلال التام سنة 1956.
أصول الحديث عن التاريخ والسياسة
من الغرائب ان تسمع اليوم – رغم ثقل تاريخنا الوطني – الحديث عن الدولة مثل الحديث عن جمعية أو حزب أو إتحاد، وبشكل ينال من الذاكرة الجماعية ومن التاريخ. ليس كلّ شخص من الأشخاص، ولا أي فرد من الأفراد، ولا أي موظف من الموظفين أو سياسي من السياسيين أو ضابط من الضباط مهما كان منصبه سابقا أو حاضرا يصلح لأن يكون متحدثا مناسبا عن قضايا تونس. فالوقوف أو الجلوس أمام الرأي العام يفترض الاستماع الى متحدثين بناءً إلى خبرتهم المعترف بها داخل هياكلهم وفي اختصاصاتهم المهنية والعلمية لأنهم يمتلكون القول المهم في قضية أو موقف ما. كما أنه من المهم في هذا المجال الاستماع لمتحدّثين بحكم كتاباتهم وإسهاماتهم الأكاديمية الجامعية، فهؤلاء هم طليعة المدافعين عن تونس وصناع الحدث وأبطاله (غير أصحاب الصدفة).
وإذا كان الخطاب السياسي والإعلامي يتراوح بين الخبر الموجب للعلم والخبر الموجب للعمل، فإننا نبقى في حاجة لحماية نفسنا من بعضنا من خلال العمل على إحياء الوعي السياسي، والمسؤولية القائمة على الروح الوطنية المخلصة لتاريخ البلاد ورموزها.
الكثير يعلم مقدار الجهل الذي أصبح لدى العامة بحيثيات أحداث تاريخ البلاد وماضيها. هناك صور يغلب عليها الحديث آمل أن تبلغ أجيالنا الصاعدة لتعرّفهم بتضحيات الآباء والأجداد من أجل تحرير الوطن والمحافظة على عزّته واستقلاله. كان بالإمكان على هامش “نداءات إنقاذ تونس”، بصرف النظر عن قيمتها وجديتها، الحديث عن انعكاسات وتداعيات تغليب المصالح الشخصية والفردية وسيادة روح الانهزام والجري وراء المكاسب الشخصية، والمتسبّبة في الهزائم المتلاحقة التي عاشتها البلاد مع التراجع المريع على عدة مستويات. إنّ الاستنتاج المركزي الذي يخترق سياقات معظم الأطروحات هو إشكالية الوعي التاريخي لدينا وخاصة على مستوى الدين والدولة.
رحم الله زعماء تونس المستقلة وفي مقدمتهم الزعيم الحبيب بورقيبة وكل شهداء الوطن الدين ضحّوا من أجلنا من اجل استقلال تونس وسيادتها ورفعة هذا الوطن العزيز.
شارك رأيك