ما زال السياسيون قي تونس يخرجون إلى الشارع ويتظاهرون ضد قيس سعيد لكنهم لا يقدمون البديل المُقنع للشعب التونسي، ومازالوا ينتقدونه بقوة وينعتونه بالمُنقلب ويعتقدون بأنهم على حق وهو على باطل. وبالمقابل يعمل رئيس الجمهورية في القصر ويُصدر المراسيم المنظمة للعمل السياسي للمرحلة المقبلة في تاريخ تونس الحديث، فهو يريد أن يُنشئ جمهورية جديدة قائمة على الحرية والعدل بعد أن رأى الشعب التونسي قد هُضمت حقوقه وتعب وسئم من وعود السياسيين البراقة التي كانت كُلها حبرا على ورق، ولم تحقق شيئا على الأرض طوال عقود مضت، كان الأغنياء يتدثرون بأموالهم ولا يجد الفقيرُ إلا المعاناة والبؤس والشقاء، وكان الناس يعيشون بين فقر وبؤس وخوف وقلق، وفي السنوات العشر الأخيرة على أمل بالتغيير ولكنهم تفاجأوا أنهم خُدعوا وتأخّروا كثيرا للوراء.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
الحياة في تونس لم تعد أملا، بعد انسداد جميع الخيوط المؤدية للتغيير، فكان لا بد من التدخل السريع لإنقاذ الموقف، ومع ذلك فالسياسيون يصرّون على التعثر من جديد ويستكبرون ولا يريدون السير في الطريق، يريدون أن يغيروا لكنهم عاجزون، ويريدون أن ينقلبوا لكنهم فاشلون، ويريدون أن يحرّروا الشعب لكنهم واهمون، فإلى أين يسيرون، هم لا يعلمون؟
في خطابه الأخير انبرى الرئيس قيس سعيد يغرّد بعيدا عن هؤلاء وأن يتجاهل أفعالهم ومظاهراتهم واستفزازاتهم وأن يمضي قُدما نحو إصلاحاته التي قد لا تظهر آثارها سريعا مع الأزمات المتكررة داخليا وخارجيا، وبالطبع من يفهم السياسة يُدرك أن الذي نعاني منه إنما كانت نتيجة سياسات خاطئة ارتكبتها 10 حكومات سابقة هتكت ميزانية الدولة وألقت بظلالها العفنة على الشعب التونسي الذي يتجرع اليوم مآسيها بكل ما في الكلمة من معان.
شعب يتلظى بلهيب أسعار مرتفعة
أراد رئيس الجمهورية أن يعبّر عن كمّ الأسى بداخله وهو يرى الشعب يتلوّى في ظل أسعار مرتفعة وملتهبة، وينادي بأعلى صوته، يا أيها الشعب تحرّك للتغيير نحو الأفضل، فأنت من يصنع التغيير لا الرئيس وحده، فكلما كان الشعب متفاعلا ومتحرّكًا وفاهمًا ومُقتنعًا بالتجديد والتغيير ستتحرك عجلة الاقتصاد وستزدهر البلاد نحو الأفضل وسيتغير كلّ شيء، وسنشهد فعلا جمهورية جديدة، لكن ما دام هناك من يعرقل وهناك من يشوش التشويش الكبير على مسار الإصلاحات الجوهرية بالبلاد وهناك من يعمل مع سبق الإصرار والترصد من أجل إفشال التحرك فيعني ذلك أن تونس ليست بخير ولن تتقدم بسهولة بل تحتاج إلى تضحيات جسيمة وصبر طويل أو جميل على هؤلاء الذين يتعجلون النتائج ويطالبون الرئيس بإيجاد عصى سحرية تُغير كل بليد.
خطوات قام بها أخيرًا كانت ضرورية لإحداث تغير نوعي، وآخرها الصلح الجزائي مع رجال الأعمال الذين تطالبهم الدولة بالملايين بل بالمليارات من الدنانير على شكل ضرائب وسرقات من الدولة نفسها، هذه الخطوة إن تحققت على الأرض وبدأ القضاء يعمل وفْقها فمن المؤكد أنها تعمل على تسريح شرايين الاقتصاد لتتدفق الأموال نحو خزينة الدولة فتعمل على بلورتها واقعا من خلال تنمية المناطق المتضررة في البلاد ومن خلال إرساء روح التضامن بين الدولة والشعب لتتحقق المعجزة على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وهكذا تستمر الحياة.
ضرورة استعادة الاستقرار السياسي في البلاد
أما عن النظام السياسي في البلاد فقد سبق وأن كتبتُ في هذا المجال كثيرا وطالبت بالتغيير السياسي نحو النظام الرئاسي الذي يتيح للرئيس صلاحيات معقولة تمنحه السلطة التنفيذية دون تسلط أو دكتاتورية مع اختيار مجلسين، الأول للشعب والثاني للمستشارين، هدف الأول التشريع وأما الثاني فهو لمراقبة الرئيس وأعمال الحكومة، ويشارك في الاستشارات المتعلقة بمجالات الحياة المتعددة وترفع التقارير دوريا، وهكذا يمكن أن نعيش الاستقرار السياسي في البلاد على فترات متتالية ومتلاحقة مع التنقيح والتعديل كل مرة إن رأى الشعب أن إحدى السلطات حادت عن الطريق.
وفي ظل هذا التوافق السياسي بين الأحزاب والمنظمات والرؤى الجديدة والمقترحات يكون التناغم والتفاهم بين القوى السياسية المتعددة والتعاون من أجل تونس الجديدة التي دعا إلى تفعيل منظومته رئيس الجمهورية بالاتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل والأحزاب السياسية المتفاهمة لما يجري على الساحة، والمنظمات المحلية ليخرج بذلك من يعادي الدولة ومن لا يريد لها الخير عاجلا أم آجلا، أما ما يفعله هؤلاء كل يوم من بلطجة في الشوارع فلا بُد لها من حدّ حتى لا تكون معرقلا أساسيا تقف عنده الدولة وتتأخر كل مرة إلى الوراء كثيرا بزعم الديمقراطية المزيفة.
شارك رأيك