لا يزال راشد الغنوشى يتحدث هذه الأيام عن الديمقراطية التي لم يؤمن بها يوما و التي لم يمارسها يوما لا داخل حركته و لا داخل مجلس نواب الشعب و يزال الرجل يتجول مناديا بالإطاحة بالرئيس قيس سعيد متهما إياه بالانقلاب وهو الذي لا يختلف عليه في شيء بحكم أن مشروع حركته لا يقوم إلا على مفهوم إسقاط النظام و الانقلاب على الشرعية و الاستيلاء على الحكم بالقوة.
بقلم أحمد الحباسي
حين تتعامل مع ما يخرج من ألسنة قيادات حركة النهضة من تصريحات و “هزّان و نفضان” في كل المناسبات و الاتجاهات لا بد من التسلّح بكثير من الفطنة و سعة البال و بكل المطالعات السابقة حول جماعة الإسلام السياسي و بالذات جماعة الإخوان المسلمين حتى تستطيع كشف المستور من وراء هذه التضاريس الجدلية المتقلبة.
عشر سنوات عجاف لم تشهدها تونس من قبل
في شهادته على العصر على قناة الجزيرة كشف محمد المرزوقي عدة حقائق صادمة حول صفات و أدبيات و رعونة التصرف لدى حلفائه الذين “كلّفوه” بشغل مقعد الرئيس في قصر قرطاج و من بين ما أشار إليه هو تلك المعركة الحامية التي اشتعلت بين قيادات الحركة حول الحقائب بحيث تمّ التعيين على أساس الرغبات و الشهوات و ليس على قاعدة الكفاءة. في نهاية الأمر و حين لا تضع الشخص المناسب في المكان المناسب فسيكون الحصاد على قدر الزرع و على قدر أهل العزم تأتى العزائم و لذلك انعكس الأمر على نوعية الحوكمة و شهدنا عشر سنوات عجاف لم تشهدها تونس حتى في سنوات المجاعة.
مشكلة قيادات النهضة أنها لا تستقرّ على رأى أو اتجاه و يكفى أن تعود إلى سيرة و مسيرة مرشد الحركة الشيخ راشد الغنوشى لتكتشف بكثير من الدهشة تقلبه من الفكر الناصري إلى فكر الثورة الإيرانية ثم إلى الفكر البعثى و الفكر الوهابي و من يملك بعض المطالعة لا بدّ أنه قد أدرك مدى الفوارق الإيديولوجية بين هذه الاتجاهات و لا بد أنه قد انتبه أن هذا التقلب لا يأتي في سياق المراجعات الفكرية عملا بالمبدأ القائل أن الغبي فقط هو من لا يغيّر أفكاره بل هو تقلّب شخص مزاجي قابل للتحول و نقل البندقية من هذا الكتف إلى الكتف الآخر مقابل حفنة من المال و مقابل بعض الحماية الشخصية. لنفترض مثلا أن الغنوشى شخص له مشروع بناء دولة ديمقراطية فهل أن وضع نفسه تحت رعاية الرئيس السوداني السابق عمر البشير أو الصادق المهدي سيكفل له تحقيق مثل هذا المشروع و الاستفادة من التجربة “الديمقراطية” السودانية المتمثلة في بتر الأعضاء و الجلد في الساحات العامة؟
حركة النهضة جعلت من تونس بلدا متسولا
على امتداد ما يزيد عن عشر سنوات بعد 14 جانفى 2011 هل ثبت بالقرطاس و القلم أن حركة النهضة الحاكمة قد زرعت شجرة واحدة؟ طبعا لم يكن منتظرا من فكر متخلف متكلّس مثل فكر الإخوان أن يتمّ ذلك رغم أن هناك عيد سنوي للشجرة كانت تزرع فيه ملايين الأشجار قبل مجيء هذا التتّار الذي أتى على الأخضر و اليابس طيلة هذه العشر سنوات ليجعل من تونس بلدا متسولا و من مواطنيها شعبا يعانى الاكتئاب و الإحباط بشكل غير مسبوق.
أتحدّى أن يخرج أحدهم بمثال يتيم لنجاح معين لهذه الحركة في علاقة بتحسين جودة الحياة أو تسهيل مناخ الاستثمار أو إقامة العدالة الناجزة أو بث الوعي بأهمية الحفاظ على الوطن و إشعاع الراية الوطنية. بالعكس لم تقم حركة النهضة الحاكمة إلا بكل الأدوار الهجينة و الأفعال القذرة لضرب الاقتصاد و تشجيع التهريب و تسهيل مرور كميات الأسلحة و تسفير الإرهابيين إلى سوريا و ضرب العلاقات مع أغلب دول العالم إضافة طبعا إلى التواطىء لتمرير الإرهابيين من ليبيا إلى تونس لإقامة إمارة الخلافة الموعودة في مدينة بن قردان.
حقا، لا بد من الاعتراف أن قيادي حركة النهضة الإرهابية قد أصبحوا متمرسين و متميزين بحكم معاشرتهم المقربة لكثير من أجهزة المخابرات و بعض القيادات العربية العميلة و بعض سفراء دول متآمرة في مادة التاريخ بدليل استيعابهم و إجادتهم تطبيق نظرية جوزيف قوبلز وزير الدعاية في عهد النازي أدولف هتلر و صاحب المقولة الشهيرة “أكذب ثم أكذب فبالنهاية سيصدقك الجميع”.
في هذا السياق يأتي تصريح مثير للقيادي نورالدين البحيري حين تساءل و براءة الأطفال في عينيه “تصوروا تونس بلا حركة النهضة”، طبعا سى البحيرى يريد من السامع أن يصدق كذبة كبرى إسمها حركة النهضة و كذبة كبرى أخرى بأن تلك الحركة تعدّ من مفاخر ما سمي بالثورة و كذبة أخرى أكثر وقاحة بأن الحركة قد قدمت لهذا الوطن ما يجعل المواطن يقبل يداه وجها و قفا تحمدا و تشكرا على نعمة وجود هذه الحركة مناديا بأعلى الصوت “اللهم أدمها نعمة و أحفظها من الزوال”.
لا يزال نورالدين البحيرى يردد نفس الاسطوانة رغم كونه قد رأى بأم العين منسوب الكراهية و الحقد على هذه الحركة و على “مشروعها” و على قادتها من القمة إلى القاع حين خرجت الجماهير في مناسبات عديدة آخرها ليلة 25 جويلية 2021 لحرق أعلام الحركة و مقراتها المشبوهة التي تحولت إلى وكر للدعارة السياسية و تمويل و رعاية الإرهاب و ضرب السلم الاجتماعية.
راشد الغنوشى يتحدث عن الديمقراطية التي لم يمارسها يوما
لا يزال راشد الغنوشى يتحدث هذه الأيام عن الديمقراطية التي لم يؤمن بها يوما و التي لم يمارسها يوما لا داخل حركته و لا داخل مجلس نواب الشعب و يزال الرجل يتجول مناديا بالإطاحة بالرئيس قيس سعيد متهما إياه بالانقلاب وهو الذي لا يختلف عليه في شيء بحكم أن مشروع حركته لا يقوم إلا على مفهوم إسقاط النظام و الانقلاب على الشرعية و الاستيلاء على الحكم بالقوة.
لا يزال سمير ديلو يتحدث عن انشقاقه عن الحركة متهما مرشدها بكل الموبقات السياسية و بتلميحات عن فساد ذمته المالية و مع ذلك تجده في الصفوف الأولى مدافعا عن “حقوق الإنسان” حين تم إيقاف نورالدين البحيرى الرجل الذي تنكر لهذه الحقوق في ملف الدكتور الجيلانى الدبوسي السجين الذي توفى بسبب رفض الوزير تمكينه من الرعاية الطبية اللازمة.
ما هو النموذج الذي قدمته حكومة كروش قيادات النهضة المنفوخة غير عمليات التفجير و قتل الأبرياء و نهب البلاد و شراء العقارات و الشقق المفروشة؟ ماذا في رصيد حكومة العملاء التي حكمت البلاد عشرة سنوات كاملة و شخوصها المرتزقة الذين لا همّ لهم إلا جمع الأموال بطرق غير شرعية. هاتوا نموذجا واحدا أو علامة واحدة تؤكد وطنيتكم؟ هل حافظتم على رصيد العملةالأجنبية في مقدرات الدولة؟ هل عالجتم جرحى؟ هل تخرجت في عهدكم أجيال غير جحافل الإرهابيين و دعاة القتل؟ هل زادت تونس اخضرارا في عهدكم البائس ؟ هل حققتم نموّا اقتصاديا مشهودا؟ هل بنيتم سدودا أو جامعات أو مستشفيات؟
لا أحد فيكم يستحق الاحترام، لماذا؟ لأنكم سلالة قتلة و عقول إرهاب شيطانية لا أكثر و لا أقل.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك