لو حصلت عبير موسي على منصب الرئاسة يوما في تونس، كيف ستتعامل رئيسة الحزب الدستوري الحر مع حركة النهضة فعليا، هل ستسلك أسلوب المواجهة كما كانت تفعل قبل ذلك؟ أم أنها ستغير نهجها وخطتها تجاهها، لأن النهضة في حقيقتها تمثل شريحة لا بأس بها من التونسيين ومن ثم قد تواجه معارضة شرسة ومعضلة كبيرة فيما لو حاربتها أو أعلنت المصادمة معها عوض الاحتواء، فالجلوس على الكرسي يختلف عن التحرك في الميدان؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
دأبت السيدة عبير موسي على انتقاد كل حكومة نشأت بعد الثورة التونسية وخاصة تلك التي لها صلة وثيقة بحركة النهضة، وكان انتقادها الأشد موجّها إلى الشيخ راشد الغنوشي باعتباره العدو اللدود لها وهو المطلوب رقم 1 في قائمتها السوداء، لأنها تعتبره مصدر الإرهاب في تونس لاتصاله الوثيق بحركة الإخوان المسلمين بقيادة الشيخ يوسف القرضاوي، وبقطع النظر عن ايديولوجيتها ومذهبها فهي تعارض أي سياسة يمكن أن يكون فيها الشيخ راشد الغنوشي طرفا، وكثيرا ما كانت تندّد بترشحه لرئاسة مجلس النواب وطالبت بإقالته أو تقديم استقالته، واعتصمت كثيرا في قبة البرلمان وهي تطالبه بالتنحي ومحاكمته وحلّ حزبه لأنه في نظرها يمثل الطرف الراديكالي في تونس الجديدة وهو ما لا تقبله.
المرأة التونسية الحديدية التي وقفت في وجه الراديكالية الإسلاماوية
وفي حين هي تطلق صفارات الإنذار وتقدم البدائل والمقترحات، لم تجد إلى الآن وسيلة للتوافق مع رئيس الجمهورية السيد قيس سعيّد بعد أن دعمته في بداية مشواره التحولي منذ 25 جويلية 2021، ولم تكوّن حزبا قويّا رغم أن نفوذها بدأ يتسع شيئا فشيئا، وبدأت الأنظار تتوجه إليها باعتبارها المرأة التونسية الحديدية التي وقفت في وجه الراديكالية النهضوية وفي وجه الاتجاه الغامض في رأيها الذي يمثله رئيس الجمهورية رغم أن مؤسسة الرئاسة تشاطرها في العداء لحركة النهضة (و لو ظاهريا) وتعتبرها حركة تعمل خارج الإطار الذي وُجدت من أجله.
تتحرك موسي في كل المدن حتى تستقطب أكبر شريحة من الشعب ليكون الداعم الأساسي لها، وترنو أن تكون في موقع يخوّل لها إدارة البلاد بطريقة مباشرة، ولا تستنكف أن تصرّح بأنها تتمنى أن تكون رئيسة للبلاد وهو المحور الذي تعمل عليه الآن من أجل طرح تصوراتها للدولة التونسية المدنية الجديدة، فتستغل الظروف الاجتماعية السيئة والخصام السياسي والتناحر الداخلي لتفرش برنامجها السياسي والاقتصادي، وبما أن المناخ ملائم جدا الآن للعمل في هذا الشأن وهذا المجال فإنها تحاول فرض هيبتها السياسية من خلال برنامج جديد قد يجد لها صدى لدى الشباب التونسي الذي ملّ الوعود السياسية في كل مرة، لذلك هي تدعو دائما إلى الاحتكام إلى الصندوق وكأنها تشعر بأن شعبيتها ازدادت في ظل تردي أداء حركة النهضة إبان مشاركتها في الحكومات السابقة وتذمر الكثيرين من أنصارها ومريديها والمتعاطفين معها.
إن الصراع الأيديولوجي هو الذي يقود السّيدة عبير موسي للتهجم على الشيخ راشد الغنوشي، كما أن الصراع السياسي القائم في تونس هو الذي جعلها في مواجهة مع رئيس الدولة، غير أن الصراع الأول في نظرها أثقل من الثاني، ولئن كانت مستعدة للعمل مع رئيس الجمهورية فإنها تعارض بشدة العمل مع رئيس حركة النهضة في أي مجال من المجالات ولذلك كانت كثيرا ما تعطّل جلسات البرلمان وتُثير الانتباه وتُحدث ضجة كبيرة مما دفع بالرئيس قيس سعيد إلى تجميده بعد أن رأى أنه أصبح حلبة صراع بين الأحزاب وليس مكانا للنظر في القوانين والتشريعات.
ماذا لو مُنحت السيدة عبير موسي الفرصة لحكم البلاد ؟
ومع تطور الأحداث العالمية والإقليمية والمحلية المتسارعة والشائكة والمعقّدة، ماذا لو مُنحت السيدة عبير موسي الفرصة لحكم البلاد، فلا شك ستكون أول امرأة في تاريخ تونس تحكم البلاد، وفي نظري ورأيي الخاص لماذا لا تُمنح فعلا هذه الفرصة وهي التي تعرض خدماتها على التونسيين وتقول إنها ستكون وطنية وستحافظ على الديمقراطية وستعامل الناس بالحُسنى وستعمل على تحسين حياة التونسيين وتوفر لهم الحياة الآمنة والمستقرة ولو بعد حين، وهل ستنجح في تقديم الصورة المُشرقة لتونس بعد الثورة بعد التعثرات المستمرة والمتكررة التي لازمت البلاد قبل 25 جويلية.
لكن السُّؤال المُهمّ، لو حصلت عبير موسي على منصب الرئاسة يوما، كيف ستتعامل مع حركة النهضة فعليا، هل ستسلك أسلوب المواجهة كما كانت تفعل قبل ذلك؟ أم أنها ستغير نهجها وخطتها تجاهها، لأن النهضة في حقيقتها تمثل شريحة لا بأس بها من التونسيين ومن ثم قد تواجه معارضة شرسة ومعضلة كبيرة فيما لو حاربتها أو أعلنت المصادمة معها عوض الاحتواء، فالجلوس على الكرسي يختلف عن التحرك في الميدان، ولكلٍّ طقوسُه وملامساته وألوانُه، لذلك لم لا نجرّب هذه التجربة الجديدة في تاريخ تونس فالبلاد ميدان كل التجارب، وكل تجربة لها مالها وعليها ما عليها، ولنترك القارئ الكريم ليعلق على ما كتبناه في هذه الزاوية.
شارك رأيك