بعد أن دعا الشيخ راشد الغنوشي إلى عقد جلسة برلمانية واجتمع عددٌ من النواب يوم أمس الأربعاء 30 مارس 2022 للتعبير عن تحدّيهم لرئيس الجمهورية قيس سعيد وقراراته الاستثنائية، استعرت الحرب بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة البرلمان المنحل، وكأننا نعيش في دولتين مختلفتين أو كأننا نعيش السيناريو الليبي المشتت بين الحكومة والبرلمان، ولذلك استبق السيد قيس سعيّد الموقف وقام ليلة أمس بحل البرلمان تماما بعد أن كان قد علق أشغاله يوم 25 جويلية الفائت، كخطوة لإيقاف نزيف التحدي الجارف نحو اكتساب هذه المحاولات المتعددة الشرعية من جديد بالقوة وبدعم من جهات خارجية.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
ونفسر ذلك بعد اللقاء الذي جرى بين الغنوشي وسفيرة المملكة المتحدة هيلين ونترتون في تونس، وعليه فقد تكون هناك عقيدة تونسية بأن البرلمان ما كان لينعقد من غير أن يكون قد مُنح الضوء الأخضر من الولايات المتحدة و بريطانيا وبعض الدول الأخرى التي تسعى لإثارة البلبلة في تونس وإحداث شرخ كبير بين المؤسستين اللتين ظلتا على تنافر كبير في الفترة الماضية وخاصة بعد انتخاب السيد قيس سعيّد رئيسا للجمهورية.
النيران تشتعل من جديد
وعلى هذا فإن الحرب التي بدأت منذ وصول الرئيس قيس سعيد إلى الرئاسة في موفى عام 2019 و استعرت نيرانها من جديد ستكون ساخنة جدا فهي تدور على مستويات كثيرة – دستورية وسياسية وربما مجتمعية – وقد تُحدث تدهورا كبيرا في الحياة السياسية ومن ثم تنعكس آثارها السلبية على المجتمع في تونس بعد أن كنا نعتقد أن حركة النهضة وأتباعها من الأحزاب التي تجاريها ستستكين إثر محاولات كثيرة فشلت كلها في التصدي لرئيس الجمهورية، إلا أن ما أجّج اللهيب وأشعل النار اليوم ما قام به النواب أولا من عقد جلسة اعتقدوها طارئة وقانونية بينما رآها الرئيس محاولة انقلابية فاشلة على الشرعية، ولذلك قام بحلّ البرلمان فورًا كإجراء جديد ورد فعل طبيعي على ما حدث، بل أمر وزيرة العدل السيدة ليلى جفال بالإيذان للنيابة العمومية بفتح تحقيق فيما جرى وتقديم هؤلاء النواب للعدالة.
إن هذا التصادم الذي سنراه في المستقبل القريب مُخيف، فإذا سعى السيد قيس سعيد لمحاكمة الأحزاب التي اجتمعت وقرّرت، واستعمل في ذلك اليد الغليظة فقد يشتعل الشارع من جديد بعد أن هدأ نسبيا، ويبدو أن الرئيس مصمّم وماض في إجرائه رغم ما يقال من أن حلّ البرلمان إجراء غير قانوني ولن يسمحوا بذلك، ويبدو أن نتائج هذا التصادم ستكون كارثية بأتمّ ما في الكلمة من معنى، لأن أنصار هذه الأحزاب سيتوافدون على الشارع للاحتجاج وبقوة هذه المرة وقد يستخدمون العنف كوسيلة للوصول إلى مبتغاهم. وإذا حدث ذلك فنشهد فوضى عارمة وحربًا كالتي جرت في بداية عهد زين العابدين بن علي، وخطورتها تكمن هذه المرة أن البلاد على شفا حفرة من الوقوع في حرب أهلية أو حرب بين من يدعون الشرعية ومؤسسة الرئاسة، وقد تدخل فيها أطراف أجنبية أخرى تستغل الظرف الراهن لبث سمومها ويكون هدفها الرئيس زعزعة الاستقرار وتأجيج الاقتتال الداخلي لتنجرف البلاد – لا قدر الله – نحو السيناريو اللبناني أو الليبي أو اليمني.
تونس تقترب من السيناريو المصري
لقد تبين لنا أن هذه الأحزاب التي اجتمعت غير مسؤولة و تفتقر للوطنية بل كانت تبحث عن مصالحها، لأنها تحدّت كل مبادئ وقيم الوطنية عندما قررت التصادم بدل الانتظار إلى ما ستسفر عنه قرارات الرئيس، ولم تنضبط ولم تلتزم بالصمت ولم تصبر ولم تحترم مؤسسة الرئاسة أو تعبّر عن تقديرها للموقف الرئاسي حتى وإن كانت تعارضه، ولكنها اليوم لجأت إلى القوة كحل نهائي لما كانت تريد أن تحققه، وعليه فإنها ستجني ما قامت به وما ستقوم به من أعمال عدائية واضحة، ويبدو أننا اليوم أقرب إلى السيناريو المصري إبان تولي عبد الفتاح السيسي الرئاسة، فستقع محاكمة الذين اجتمعوا وربما سجنهم بعد مقاضاتهم، لتدخل البلاد في دوامة الصراعات التي لا تنتهي.
وهنا وبينما يحتدم الجدال، شعرت الأحزاب أنها ستفقد كل شيء خاصة وأننا بدأنا نقترب من التواريخ التي حدّدها السيد قيس سعيد للتغيير لذلك أقدمت على هذه الخطوة لتستبق الزمن لكن الهزات الارتدادية كانت عنيفة ولم تكن تتوقعها لذلك هي اليوم أمام خيارين إما الانصياع لقرارات الرئيس في حالة الاستسلام أو المحاكمة في حالة الصدام.
شارك رأيك