لم أجد صعوبة قصوى في الكتابة عن الرياضة، وجمعية النجم الساحلي تحديدا، كهذه المرة! حترت من أين أبدأ، وماذا سأقول، وكيف سأمرر الأفكار التي تعتمل في ذاتي وترويض التفاعلات الجامحة الخارجة من تجاويف الندوب والجروح النازفة؟ ماذا سأقول وكل شيء أصبح أمامنا مكشوفا ومفضوحا بعد أن انحسر مد الزيف والمغالطات وظهر مقترفوها عراة !؟
بقلم مصطفي عطية
لكن كان لا بد أن أكتب ما يجب أن يكتب، في هذا الظرف الدقيق من مسيرة جمعية بعراقة النجم الساحلي ومجده، ليقرأه الجميع بقلوب مفتوحة وبكثير من التبصر الذي افتقدناه جميعا في هذا الزمن الحالك والمثخن بآلام الخيبة والإحباط والانكسار !
نيران صديقة وأخرى عدوة !
مازالت أتذكر جيدا تصريحات الرئيس السابق، والأكثر عطاء سخيا، للنجم الساحلي، الدكتور رضا شرف الدين، وهو يتحدث بحكمة وتبصر، باعثا لجماهير النجم والرأي العام الرياضي بالكثير من الرسائل المخضبة بالمرارة تارة وبالتوجس تارة أخرى، لكن بثقة قائمة وثابتة لا تتزعزع.
تعددت أمام الرجل الكثير من المشاكل والعراقيل والمطبات، وتلاقت ضده النيران الصديقة والعدوة من كل حدب وصوب، لكنه لم يفقد هدوءه ووضع مصلحة النجم فوق كل اعتبار وأدخل يده في جيبه لينفق المليارات قصد إنقاذ الجمعية، مؤكدا بهذا الصنيع شهامته النادرة. لم يتهرب، طوال رئاسته للنجم، من مواجهة الحقيقة الجارحة ولم يلق بالمسؤولية على الآخرين، رغم أنهم مذنبون وخذلوه وخانوه، ولكنه كان قد دأب على تذكير الجميع بأن النجم فوق الجميع. لم يهرب من “ساحة الوغى” كما هرب الآخرون، بل واجه العاصفة بالكثير من الجرأة. انفضوا من حوله وتركوك وحيدا في مصارعة التيارات المسمومة والمتقاطعة.
لم ينحن أمام الطعنات والمؤامرات والدسائس إذ هو يعرف جيدا مصادرها، ويدرك أنها آفة سلوكية متغلغلة في ثقافتنا الشعبية، فالتونسي لا يحسن إلا الهروب من ساحات المواجهة وإلقاء المسؤولية على غيره، وغدر وطعن من أحسن إليه، فتاريخنا مشحون بالغدر فما بالك وهذا الزمن الموبوء بالانفلات قد هيأ كل الظروف لممارسة هذه “الهواية اللعينة”!
لست بصدد تحريك السكين في الجرح النازف، ولا شحن القلوب المشحونة أصلا، ولكن هي الحقيقة التي يجب كشفها حتى وإن كانت صادمة وجارحة ومؤلمة.
أعشاش الدبابير المسمومة
وضع رضا شرف الدين ثقته الكاملة في مسؤولين ركب رؤوسهم الغرور، وٱنتفخت أوداجهم زيفا، فأخلوا بأبسط مسؤولياتهم وخذلوه، ثم ظهر بالكاشف أنهم دمى متحركة تعبث بهم أصابع من يقف خلف الستار، وتسيرهم رغبات انتفاعية وضيعة في مستوى وضاعة عقولهم الصغيرة وأفئدتهم الموبوءة. تركوه وحده في مصارعة العواصف و إزالة ما ترتب عنها من ألغام وما تداعى من كوارث. كان حريصا أن لا يترك النجم في وضعية تهدد وجوده، إيمانا عميقا منه بأهمية المسؤولية التاريخية التي قبل تحملها بشجاعة وٱستعداد للتضحية، وهذا يحسب له ويرتقي به إلى المرتبة العلية في تاريخ هذه الجمعية العريقة.
لم يعرف النجم الرياضي الساحلي على امتداد تاريخه الطويل رئيسا ضحى بجهده ووقته ومصالحه وماله دفعة واحدة، كما ضحى رضا شرف الدين، فأغلب الذين تنطبق على مجهوداتهم كلمة “تضحية ” لم يفعلوا ذلك إلا بالجهد أو الوقت ونادرا جدا ما كان ذلك بالمال. لن أتحدث عن الذين استفادوا من النجم وأضروا به فأولائك مكانهم الطبيعي في مزبلة التاريخ !
سطعت الحقيقة وظهر السابحون في مستنقع الزيف عراة
قد تكون كلماتي مخضبة بالمرارة ولكنها صادقة ونابعة من صفاء القلب، قد تزعج البعض ولكنهم لن يستطيعوا التشكيك في مصداقيتها، وقد تتراءى عاطفية ولكنها، وإن بدت في الظاهر كذلك، فهي عقلانية وواقعية.
اليوم يتعرض رضا شرف الدين للإشاعات المغرضة والهجمات المسمومة من قبل الذين تسببوا في ما آلت إليه الأوضاع في الجمعية، محملين أياه المسؤولية، في حين أنه، رغم تخليه عن رئاسة الجمعية، لم يتوقف عن دعمها ولن يتوقف أبدا، ورفض رفضا قاطعا كل محاولات استدراجه لمحاربة الهيئة الحالية، وفند كل ما قيل حول عودته في شكل “رئيس لهيئة تسييرية” وهمية، مؤكدا دعمه المطلق للهيئة ماهر القروي بٱعتبارها هيئة شرعية ومنتخبة انتخابا ديمقراطيا.
لست بصدد الدفاع عن رضا شرف الدين فإنجازاته ومآثره والألقاب المحلية والإقليمية والقارية التي تحصلت الجمعية عليها في عهده، تدافع عنه ! ولكني أردت أن أضم صوتي إلى المخلصين من أبناء النجم الذين تحركوا، فرادى وجماعات، لإنصاف الرجل ومطاردة كل ناكري الجميل، الهاربين والمتسللين والخانعين والمختبئين، بلعنات العار والمذلة.
اليوم عرفت جماهير النجم من ضحى من أجل النجم، ومن استغله وٱستفاد منه.
اليوم يكتب المخلصون فصلا جديدا من تاريخ النجم الرياضي الساحلي، فصلا ممهورا بنضالاتك الملحمية التي ستبقى محفورة في الذاكرة الجماعية للنجم والرياضة التونسية بصفة عامة.
شارك رأيك