كما تفلس الدول يفلس الأشخاص خاصة السياسيون الذين يتمسّكون بعرى السياسة ويتعرضون لتخبط سياسي نتيجة خطط غير مدروسة والاهتمام بمصالح الحزب دون مراعاة لمعايير الوطنية والعمل من أجل وحدة البلاد حتى لا تنهار. فكل ما قام به الشيخ راشد الغنوشي من عقد جلسة برلمانية غير شرعية خطة أرادها لاستعادة ما فقده من شعبية والوهم بالرجوع للمشهد السياسي بقوة، هي مسرحية تراجيدية عنوانها الرجوع للشرعية وهدفها الإطاحة برئيس الجمهورية قيس سعيد الذي تحرك بسرعة وأحبط المخطط الجهنمي لرئيس حركة النهضة.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
تتمثل الخطة الجهنمية في استدعاء نواب الشعب المنحل لجلسة برلمانية مع استغلال الظروف الاستثنائية وما يلقاه الشعب التونسي من معاناة وما يكابده من مشقة من أجل توفير لقمة العيش التي باتت تؤرق الجميع وتقض مضاجعهم، ليفرض واقعا جديدا وليقول للشعب التونسي أن مؤسسة الرئاسة فشلت في تحقيق مبتغاكم لذلك ينبغي الوقوف ضدها وإفشال مشروعها السياسي القادم الذي سيحوّل البلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي.
الفشل في إحداث تحالف قوي يطيح بمشروع الرئيس قيس سعيد
ولكي تنجح الجلسة لا بد أن تتوافر فيها الأصوات الكافية والحضور المناسب حيث النصاب الذي على أساسه ستنعقد لكن من كانوا معه في الخط من الأحزاب الأخرى اشترطوا أن يتولى السيد طارق الفتيتي رئاستها بدلا منه، ورضخ الشيخ راشد الغنوشي لهذا الطلب حتى تكون الجلسة قانونية من وجهة نظر من حضر، وحدث ما حدث وكان الشيخ راشد يعلم يقينا أنه بتحديه قرارات رئيس الجمهورية سيعرض نفسه والآخرين للمساءلة والتحقيق ورغم ذلك أقدم على هذه الخطوة لاسترجاع هيبته الحزبية المسلوبة ولإحداث بلبلة في الشارع التونسي مع ما أحدثته هذه الجلسة من جدل قانوني ودستوري وشرعي وهذا ما أراده الشيخ لإنقاذ نفسه من الإفلاس السياسي.
ومع هذا الإفلاس السياسي الواضح رغم المحاولات المتعددة من حركة النهضة من خلال تحالفها مع شخصيات سياسية كثيرة أبرزها الناشط السياسي جوهر بن مبارك والسياسي أحمد نجيب الشابي وغيرهما، فشلوا في إحداث تحالف قوي يمكن أن يطيح بالمشروع السياسي لرئيس الجمهورية السيد قيس سعيد، وعلى هذا يتبين مدى إصرار الشيخ راشد الغنوشي على عرقلة أي نجاح يمكن أن يُحسب لرئيس الجمهورية وينال ثقة الشعب التونسي لذلك تجده يبحث عن خيوط من هنا وهناك ليبث من خلالها معارضته الشديدة لما يقوم به رئيس الجمهورية في الوقت الراهن.
راشد الغنوشي يحرّض الشعب التونسي على العصيان
وعلى هذا يبقى الجدل قائما إلى حين، فإما أن تستمر المواجهة طويلا بين قطبي السياسة في تونس ونرى بعدئذ نتائج هذا الصدام على مستوى عال، لأن في استمرارها على هذا الشكل وعلى هذا المنحى خطورة كبيرة على جميع المستويات وقد يؤدي ذلك إلى اعتقال الشيخ ومحاكمته رسميا إذا تبين أنه يريد من خلال تحركاته أن يحرّض الشعب التونسي على العصيان والتمرد وربما يُحاكم أيضا من كانوا معه في المكتب السياسي للبرلمان وحزب النهضة، أو أننا سنشهد بعد فترة من الزمن تغيّرا في موقف أحدهما أو كليهما بعد أن يتيقن كل منهما أن مصلحة الوطن تقتضي التعامل مع الأحداث بحكمة وعقلانية بعيدا عن العواطف والتجييش.
فمن سيستكين للآخر أو يتنازل للآخر وهل سيحصل الوفاق مرة أخرى كما حصل في عهد الباجي القايد السبسي؟ وهل ينتبه الشيخ راشد إلى أن ما يقوم به من تحركات فردية مخالفة للشرعية باطل لأن مؤسسة الرئاسة هي أعلى سلطة في البلاد ولا يجوز أن يكون للبلاد وجهان مهما تباينت وجهات النظر ومهما اختلف الفرقاء، لكن المشكلة اليوم في تونس تتمحور في نقطة رئيسة يمكن أن يجرى حولها استفتاء شعبي ليقول الشعب على إثرها كلمته في النظام السياسي الذي ينبغي أن يكون في الفترة القادمة، وبالتالي سوف تهدأ العواصف بعده إن حدث بديمقراطية.
شارك رأيك