يرى بعض الناشطين في المجتمع المدني والخبراء الذين ينادون باحترام المبادئ التوجيهية للامم المتحدة المتعلقة بحماية المستهلك والدستور الغذائي الموضوع من قبل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الاغذية والزراعة انه تم سن القانون عدد 117 لسنة 1992 المتعلق بضبط القواعد العامة المتعلقة بسلامة المنتوجات ونزاهة المعاملات الاقتصادية وحماية المستهلك في اطار تضليل الراي العام المحلي والدولي لا غير.
كما ان القانون عدد 36 لسنة 2015 المتعلق بالمنافسة والاسعار لم يحقق الاهداف التي وضع من اجلها ولم يحد من التجاوزات والجرائم الخطيرة المرتكبة في حق المستهلكين والمهنيين على حد السواء باعتبار انه تضمن، مثل قانون حماية المستهلك، عقوبات زهيدة وغير رادعة من شانها تشجيع المتحيلين والمجرمين على التمادي في اعمالهم مثلما نلاحظه اليوم.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، نص الفصل 49 من القانون عدد 36 لسنة 2015 المتعلق بالمنافسة والاسعار على انه يعاقب بالسجن من شهر إلى عام وبخطية من 1000 دينار إلى 100.000 دينار أو بإحدى العقوبتين كل من يمسك او يستعمل او يروج منتوجات مجهولة. ورغم العرائض الموجهة لوزير التجارة من قبل المتضررين من المنتوجات مجهولة المصدر ومنظمات المجتمع المدني الا ان تلك العرائض تم تجاهلها مثلما هو الشان بالنسبة للعريضة المودعة بتاريخ 7 اوت 2020 بخصوص خرطوشة حبر مغشوشة لا تعمل ومجهولة المصدر تتولى توزيعها احدى الشركات المنتصبة بجهة حي الخضراء. تلك العريضة، التي تم تجاهلها من قبل وزير التجارة، طالب صاحبها المتضرر بحجز البضائع المعروضة والمخزنة بنقاط بيع ومستودعات الشركة وتحرير محضر على معنى الفصل 49 من قانون المنافسة والاسعار وتحرير محضر على معنى الفصول 3 و11 و12 و13 و16 و17 و18 من القانون المتعلق بحماية المستهلك وغلق الشركة المعنية مدة شهر وضبط شبكة المهربين التي هي بصدد توريد ومسك وعرض وترويج بضائع مجهولة المصدر لها علاقة بمجال نشاط الشركة المخالفة.
الاكثر خطورة ان يتم عرض منتوجات قاتلة ومسرطنة على قارعة الطريق وبكل فضاءات التسويق مثلما هو الشأن بالنسبة للمستلزمات المدرسية. فقد اعترفت وزارة التربية ان نسبة السرطان مرتفعة لدى التلاميذ. كما ان وزارة التجارة سبق لها ان ضبطت بولاية قابس كمية من الكراسات التي تتضمن اغلفتها معادن ثقيلة مسببة للسرطان. ايضا، يكفي زيارة كل المساحات الكبرى للتأكد من وجود منتوجات مجهولة المصدر والهوية لم تخضع لاية رقابة فنية او صحية او بيئية وهذه الجريمة التي تسببت ايضا في غلق الاف المصانع متواصلة في غياب الجهات المعنية بالسهر على حماية النظام العام الاقتصادي والصحي. فالأحكام الواردة بقانون حماية المستهلك والمتعلقة بسلامة المنتوجات يتم الدوس عليها في كل لحظة دون رقيب او حسيب الى جانب العقوبات المشجعة على التمادي في الاجرام. من لا يعرف ان العديد من المتحيلين التونسيين بعثوا بشركات بمالطا وبالمناطق الحرة بالامارات يستوردون عن طريقها البضائع المقلدة القاتلة والمسرطنة المصنوعة بالهند والصين وبنقلاداش ويهربون بواسطتها العملة دون ان تبذل الجهات المعنية اية مجهودات للتعرف عليها. فقد تم تجاهل اوراق باناما واوراق الجنات الضريبية التي تم كشفها من قبل الشبكة الدولية للصحافيين الاستقصائيين بواشنطن رغم انها تضمنت اسماء المتحيلين التونسيين وعناوينهم بتونس وشركاتهم بمالطا وبالجنات الضريبية مثل جزر كايمون والجزر العذراء البريطانية وباناما وجرزي وغيرها.
الجريمة الكبرى المرتكبة في حق المستهلك تتمثل في ان القوانين الفاسدة المتعلقة بالتوزيع وحماية المستهلك والمنافسة والاسعار والاشهار وطرق البيع وغير ذلك لم تتضمن اجراءات للتظلم التي يجب ان تكون مجانية تمكن المستهلك من معرفة حقوقه ومن التظلم والانتصاف في دوس على المبادئ التوجيهية المتعلقة بحماية المستهلك الموضوعة من قبل الامم المتحدة وكذلك الدستور الغذائي الموضوع من قبل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الاغذية والزراعة. فالعرائض المودعة من قبل المتضررين عادة ما يتم تجاهلها.
كان من المفروض المبادرة فورا بملاءمة التشريع التونسي مع المبادئ التوجيهية للامم المتحدة المتعلقة بحماية المستهلك والدستور الغذائي والتنصيص على عقوبة مصادرة املاك المتحيلين والقتلة والغشاشين وسجنهم لمدة لا تقل عن 10 سنوات. فالتشريع الذي لا ينص على استرجاع ما جناه المتحيلون بطرق غير شرعية كما اقتضت ذلك اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لا يمكن ان يكون الا فاسدا. هل يعقل ان يواصل الماسكون بالسلطة الحديث عن الغش والاحتكار والتلاعب بالاسعار والبضائع القاتلة والمسرطنة طيلة اكثر من 60 سنة؟ هل يعقل ان لا تراجع القوانين بصفة دورية لمعرفة مدى نجاعتها وفاعليتها؟
الأسعد الذوادي
رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين وعضو الجمعية العالمية للجباية ومعهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا
شارك رأيك