لم يكن تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخير و انتقاده العنيف للخطوة الرئاسية بحلّ البرلمان مجرد زلّة لسان و سقطة دبلوماسية لن تتكرر فللرجل سقطات و زلات متعمدة كثيرة منذ صعود حزب العدالة و التنمية إلى سدة الحكم في تركيا.
بقلم أحمد الحباسي
الرئيس التركي يسعى جاهدا و بكل الطرق اللئيمة إلى انتزاع زعامة إقليمية متكئا على الحماية الصهيونية الأمريكية لبلاده و لوجود قوات الحلف الأطلسي على التراب التركي وطبعا المعاهدة الإستراتيجية الوثيقة بين أنقرة و الكيان الصهيوني.
في هذا المجال و تحت هذه المظلة يسعى الرئيس التركي إلى تقديم خدمات مشبوهة بوصفه أحد أهم المقاولين المكلفين بتوسيع دائرة الفوضى الخلاقة في المنطقة مقابل حلمه بدخول بلاده النادي المسيحي أو ما يسمى بالفضاء الأوروبى رغم معارضة أكثرية الدول الأوروبية الفاعلة بسبب ارتكاب النظام التركي المجازر ضد الأرمن و الأتراك و غياب الحريات و قمع الصحافة و ممارسة التعذيب ضد معارضيه.
لماذا يتدخل الرئيس التركي في الشؤون التونسية؟
ربما لسائل أن يتساءل لماذا يتدخل الرئيس التركي في الشؤون الداخلية التونسية و لماذا يسلط ضغوطا عنيفة و خارجة عن الأعراف الدبلوماسية و بهذه العجرفة القبيحة و لماذا كل هذه “السخونة” اللفظية المستعملة ضد تونس و ضد الرئاسة التونسية؟
أيضا ما سر اهتمام الرئيس التركي بما يحدث فى تونس و لماذا يصطاد الرجل المناسبات لإبداء انزعاجه من كل ما يحدث و بالذات بعد صدور قرارات ليلة 25 جويلية 2021 الأخيرة؟
من يدعم الرئيس التركي بمثل هذه التصريحات التي تتقاطع مع بعض التصريحات الخارجية و الداخلية، محمد المرزوقي و راشد الغنوشى مثالا؟
ما سرّ اهتمام الرئيس التركي بمسألة حلّ البرلمان و لماذا لا يخفي الرجل علاقته بحركة النهضة و بالذات مرشدها الشيخ راشد الغنوشي و هل تؤكد تصريحاته الأخيرة حالة اليأس التي وصل إليها من إمكانية عودة المرشد إلى سدة المجلس النيابي لمواصلة إصدار القوانين التي تخدم المصالح التركية وتفرط في المصالح التونسية بثمن التراب؟
الانخراط التركي القطري في لعبة إغراق العقل التونسي
لقد لاحظ المتابعون لما يسمى الثورة الانخراط التركي القطري في لعبة إغراق العقل التونسي بالأخبار المفبركة و المضللة و لذلك مارست منصات إعلامية تابعة لحزب العدالة و التنمية الحاكم حملات مغرضة لتزييف و فبركة الأخبار و نشر معلومات مضللة لهدم مؤسسات الدولة و دفع المواطنين إلى الفوضى العارمة كما ساهمت المخابرات التركية بقيادة رئيسها هاكان فيدان الصديق الحميم جدا للرئيس التركي في “الخط التحريري” المشبوه لعدة قنوات تابعة للإخوان المسلمين و التي كانت تبث من قطر و تحولت بعد المصالحة الأخيرة بين قطر و بقية مجلس التعاون الخليجي إلى تركيا.
يصف العارفون السياسة التي يتبعها الرئيس التركي بالانتهازية بحيث لا يتهاون الرجل في استغلال حالة الفوضى التي عقبت “الثورة” لتنفيذ أجندة أسياده الصهاينة و الأمريكان بواسطة جماعة الإخوان المسلمين الذين فتحت لهم قطر خزائنها المالية لتدريب و توفير قطع الغيار الآدمية لما سمى بالجهاد فى سوريا.
ما حدث في تونس من تفجيرات و اغتيالات و اضطرابات اجتماعية لم تكن حركة النهضة ذراع الإخوان في تونس بعيدة عنه و بالفعل نجحت سياسة الرئيس التركي في تحقيق عدة أهداف و باتت تشكل مصدر تهديد جدي للسلم الاجتماعية و لكن السياسة التركية لن تقف عند هذا الحدّ طالما أن الأهداف الصهيونية الأمريكية لم تكتمل الأمر الذي ينذر بتصاعد حجم التوتر ما بين أنقرة و القيادة التونسية التي فوجئت هذه المرة بوقاحة التصريح التركي مما تطلب استدعاء السفير التركي إلى وزارة الخارجية لمطالبة بلادة بالكف عن مثل هذه التدخلات الفجّة لكن من الظاهر أن الأمر لم يتم تسويته وهو ما تطلب تدخل رئيس الدولة و إفصاحه العلني عن مدى انزعاجه من الموقف التركي و وضع الأمور في نصابها.
النهضة هي الذراع التي تتدخل بواسطتها تركيا في تونس
لا يمكن بطبيعة الحال فهم حجم التصريح التركي الأخير أو تفسيره إلا بما تمثله حركة النهضة من وزن سياسي بعد أن كانت لأكثر من عشر سنوات بمثابة الذراع التركية التي تتدخل بواسطتها في تونس اقتصاديا و سياسيا بحيث سمح حكومات النهضة بإغراق تونس بعدة قروض و ديون نزلت في جيوب قيادات حركة النهضة و زادت في حجم المديونية بشكل فقدت معه الدولة قدرتها على معالجة المشاكل.
يجمع المتابعون أن الرئيس التركي يسعى بكل الطرق بما فيها التهديد المبطّن بإشعال الوضع الاجتماعي إلى ضمان عدم إخراج حركة النهضة من السلطة و من دائرة القرار و على هذا الأساس فهو لا ينظر بعين الرضا تماما إلى قرار الرئيس قيس سعيد برفض الحوار مع الفاسدين الذين يختزلهم الرأي العام في حركة النهضة بالأساس بل أن الرجل لا يخفى في تصريحاته إصراره على أن تكون النهضة جزءا من الحوار الوطني القادم و لذلك فهو يرى في حل البرلمان خطوة رئاسية متعمدة أو متهورة لضرب أية انتظارات تركية في هذا السياق.
هناك إدراك عميق لدى القيادة التونسية بأن التصريح التركي الأخير هو مقدمة لعدة ضغوط سياسية و اقتصادية و إعلامية و ينتظر أن تسخر القيادة التركية كل خدمتها و أعوانها مثل المنصف المرزوقي و جوهر بن مبارك و الصافي سعيد و الحبيب بوعجيلة و نجيب الشابي لشن حملات إعلامية في نفس المنصات التي يتم استغلالها للتضليل و بث الفوضى.
لا يمكن الحديث عن التدخل التركي الفجّ في تونس و ما تخلفه السياسة و التدخلات التركية من انزعاج لدى المواطنين التونسيين دون الرجوع بالذاكرة إلى ما عرف بسياسة “الصفر مشاكل” مع دول الجوار وهي النظرية التي ابتكرها أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركية السابق و جعل منها النظرية التي تقوم عليها السياسة الخارجية التركية تجاه دول الجوار. هذه النظرية السياسية أصبحت موضع تندر و سخرية لدى كل المتابعين بعدما تحولت السياسة التركية إلى سياسة “كل المشاكل مع الجوار” لذلك ليس مستبعدا تماما أن تشهد علاقة تونس و تركيا في الآونة القادمة حالات كثيرة من المدّ و الجزر خاصة في ظل تأكيد الرئيس قيس سعيد أن مسألة حل البرلمان قد ولّت و انتهت و أنه لا حوار مع الفاسدين الذين حكموا البلاد طيلة العشرية الفارطة و نهبوا خزائن الدولة و تعاملوا مع المخابرات و الجهات الأجنبية المعادية لتونس بقصد التمهيد لإقامة الخلافة السادسة.
مع ذلك يمكن القول أن تصريح الرئيس قيس سعيد الأخير قد شكّل صفعة على وجه الرئيس التركي تذكرنا بنفس الصفعة التي تلقاها من الرئيس الراحل الباجى قائد السبسي نتيجة رفعه علامة رابعة أمام أبواب القصر الرئاسي بقرطاج.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك