لا يخفى على العارفين بخبايا عالم الفساد في المجالي الجبائي ان الفصول 39 و42 و60 و118 و120 و130 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية نصت، في خرق صارخ للقوانين المهنية، على امكانية ان يستعين المطالب بالاداء في علاقته بادارة الجباية “بمن يختاره” عوض التنصيص على امكانية ان يستعين “بمستشار طبقا للقانون” وذلك حتى تكون تلك الاحكام متلائمة مع القانون المتعلق بالمستشارين الجبائيين والقانون المتعلق بالمحامين وحتى لا يفتح الباب على مصراعية لشبكات الفساد والسماسرة في الملفات الجبائية ومنتحلي الصفة والفاسدين ومخربي الخزينة العامة والراشين والمرتشين مثلما هو الشان الان دون ان تفعل القوانين ضدهم. فالسماسرة والمتلبسون بالالقاب والمتحيلون والفاسدون من مخربي الخزينة العامة يتعللون بعبارة “بمن يختاره” التي يصر على الابقاء عليها الفاسدون ليتدخلوا في الملفات الجبائية امام ادارة الجباية منمين بذلك الفساد في الملفات الجبائية ومنافسين بطريقة غير شرعية المهن المؤهلة قانونا لمساعدة المطالبين بالاداء، علما ان تلك الصياغة تتعارض مع القوانين المهنية حيث لا يستساغ منطقا وقانونا ان يستعين المطالب بالاداء بمن هب ودب بما في ذلك بعض الاعوان العموميين والاجراء بالقطاع الخاص.
هذا ويبقى بامكان المؤسسة الاستعانة باجرائها وذلك في حدود ما يسمح به القانون شريطة اثبات صفتهم. ورغم مطالبة المهن المتضررة بتحوير تلك الاحكام الفاسدة في عديد المناسبات وفي اطار مشاريع قوانين المالية وبالأخص قانون المالية لسنة 2022 بغاية ملاءمتها مع القوانين المهنية لكي تنص على ضرورة ان يستعين المطالب بالاداء “بمستشار طبقا للقانون” الا ان الفاسدين تصدوا بشراسة لذاك المطلب الشرعي والوجيه الذي يرمي الى تطهير محيط الاستثمار واحترام القوانين المهنية، متعللين في ذلك باكذوبة مفادها عدم اثقال كاهل المطالبين بالاداء باتعاب زائدة في الوقت الذي يتعرض فيه هؤلاء للابتزاز والتحيل من قبل السماسرة والمتحيلين الذين يطالبونهم بدفع مبالغ خيالية. كما لا يخفى على احد ان الفصل 29 من مجلة الاجراءات الجزائية الزم الموظفين العموميين باعلام وكيل الجهورية ما بلغ علمهم من جرائم ومده بالوثائق التي بحوزتهم والمتعلقة بمرتكبيها. اما الفصل 9 من القانون عدد 34 لسنة 1960 المتعلق بالموافقة على المستشارين الجبائيين فقد خول لوزير المالية رفع امر المتلبسين بلقب المستشار الجبائي والمحامي والسماسرة في الملفات الجبائية ومخربي الخزينة العامة لوكيل الجمهورية او استدعائهم راسا بطريق الاحالة امام المحاكم الجزائية كما نص على ذلك الفصل 206 من مجلة الاجراءات الجزائية. خلافا لتلك الاحكام، نلاحظ بكل قلق ان شبكات من المتحيلين والسماسرة والمتلبسين بلقب المستشار الجبائي والمخربين للخزينة العامة اتخذت من القباضات المالية مقرا لها لمباشرة انشطة مجرمة قانونا كتعمير التصاريح الجبائية المغشوشة والسمسرة وغير ذلك. كما انها تتدخل في الملفات الجبائية امام مصالح المراقبة الجبائية نتيجة لاصرار بعض الاعوان العموميين على عدم احترام التشريع الجاري به العمل والمذكرات العامة الصادرة عن ادارة الجباية وبالاخص المذكرة العامة عدد 30 لسنة 2007 التي اوصت بعدم التعامل مع الاشخاص غير المؤهلين قانونا. الاغرب من ذلك، ان الفاسدين يصرون على منح معرفات جبائية لمنتحلي صفة المستشار الجبائي والسماسرة ومخربي الخزينة العامة واشخاص في وضعية منع ولا تلاؤم كبعض ممتهني المحاسبة وفاقدي الاهلية ولشركات لا يتكون كل شركائها من مستشارين جبائيين وذلك في خرق صارخ للقوانين المهنية والفصل 56 من مجلة الضريبة على دخل الاشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات مستغلين في ذلك غياب الرقابة والافلات من العقاب واستشراء الفساد داخل صفوف المسؤولين المكلفين دستوريا بالسهر على احترام التشريع الجاري به العمل وذلك في خرق صارخ للفصلين 89 و92 من الدستور. فعوض المبادرة بتحوير الاحكام الفاسدة المضمنة بصفة متعمدة صلب الفصول 39 و42 و60 و118 و120 و130 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية المنمية للسمسرة والفساد في الجباية وابلاغ امر المتحيلين والسماسرة الذين يتدخلون في الملفات الجبائية للنيابة العمومية مثلما اقتضت ذلك احكام الفصل 9 من قانون المستشارين الجبائيين والفصل 29 من مجلة الاجراءات الجزائية والكف عن التعامل مع السماسرة ومخربي الخزينة العامة والراشين والمرتشين ومنح معرفات جبائية في خرق للقانون، يواصل الفاسدون صلب الادارة تجاهل عشرات العرائض المودعة بهذا الخصوص بمختلف الوزارات المعنية بمكافحة الفساد والتمادي في مغالطاتهم واكاذيبهم. ونتيجة لذاك الفساد البين، لم يتمكن الالاف من المعطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا في الجباية من الانتصاب لحسابهم الخاص نتيجة اطلاق العنان للسماسرة ومخربي الخزينة العامة. فحتى رئاسة الحكومة ووزارة المالية رفضتا اصدار منشور في كيفية تطبيق احكام الفصل 29 من مجلة الاجراءات الجزائية والفصل 9 من قانون المستشارين الجبائيين بغاية ابلاغ امر السماسرة ومنتحلي الصفة والفاسدين لوكيل الجمهورية. كما انهما لا تحرصان على معرفة هوية الاعوان العموميين الذين يتدخلون في الملفات الجبائية ويغادرون اماكن عملهم لتعمير التصاريح الجبائية وايداعها بالقباضات المالية، علما ان القائمين على القباضات المالية على علم بذلك. أيضا، ترفض وزارة المالية تفعيل احكام الفصل 97 ثالثا من المجلة الجزائية واحترام المنشور عدد 45 لسنة 1998 الصادر عن الوزارة الأولى بخصوص المتحيلين والسماسرة الذين يتدخلون في الملفات الجبائية في فترة التحجير التي كان من المفروض التمديد فيها بصفة كبيرة (10 سنوات) الى جانب التنصيص على العقوبات الواردة بالفصل 96 من المجلة الجزائية. ان احكام الفصل 5 من قانون الوظيفة العمومية والفصل 97 ثالثا من المجلة الجزائية التي تسمح للعون العمومي بمباشرة أنشطة خاصة لها علاقة او ليست لها علاقة بمهامه وللوزير ان يرخص له في ذلك لا يمكن ان تكون الا فاسدة وموغلة في الفساد. كما ان التفرج عليها وعدم حذفها فورا احتراما لالتزامات تونس في اطار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد يصب راسا في خانة تنمية صناعة الفساد الجبائي وتخريب موارد الخزينة العامة وتحصين شبكات السمسرة والفساد في الملفات الجبائية التي الحقت اضرارا جسيمة بالمهنيين والمؤسسات والخزينة العامة. ان الإصرار على تعطيل مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة المستشار الجبائي، المحكومة بقانون 1960 المتخلف، بالنظر للمعايير الموضوعة من قبل الكونفدرالية الاروبية للجباية الممثلة لاكثر من 200 الف مستشارا جبائيا موزعين على اكثر من 26 بلدا اروبيا دون مبرر منذ على الأقل جلسة العمل الوزارية المنعقدة بتاريخ 24 جوان 2013 يصب راسا في خانة التنكيل بمهنة المستشار الجبائي وتحصين السماسرة والفاسدين والاضرار بمصالح المؤسسات والخزينة العامة. كما ان عدم الاستجابة لعرائض منظمات المجتمع المدني المطالبة لرئاسة الحكومة بفتح تحقيق بخصوص الفاسدين الذين يقفون وراء تعطيل ذاك المشروع وشبكات الفساد الجبائي التي تكلف الخزينة العامة خسارة سنوية بعشرات مليارات الدينارات يصب راسا في خانة الفساد المشار اليه بالفصل 2 من القانون عدد 10 لسنة 2017 المتعلق بالتبليغ عن الفساد وحماية المبلغين. فلو ان المجهودات الكبيرة التي تبذل اليوم من اجل اغراق تونس في المديونية ووضعها تحت وصاية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الاروبي تم بذلها من اجل التصدي للفساد الجبائي لامكننا جمع سنويا عشرات مليارات الدينارات الضائعة والخروج من المديونية وتوفير الرفاه والعيش الكريم للتونسيين.
* الأسعد الذوادي، رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين وعضو الجمعية العالمية للجباية ومعهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا
شارك رأيك