الكاتب ضابط سابق في البحرية التجارية وهو يستعين بتجربته ليحلل الظروف التي أحاطت بحادثة غرق سفينة Xello الحاملة ل 750 طن من المحروقات في المياه الاقليمية التونسية في خليج قابس يوم أمس السبت 16 أفريل 2022 و ما قد يترتب على ذلك على كل المستويات و منها مسألة تحديد المسؤوليات.
بقلم الأسعد بوعزي
المعلومات المتوفرة حول حادث غرق سفينة Xello و التي تنتظر تأكيد التحقيقات الدائرة الآن : سفينة شحن تحمل العلم الغيني غادرت ميناء دمياط المصري في اتجاه مالطة وعلى متنها طاقم يتكون من سبعة بحّارة وتحمل في صهاريجها 750 طن من الغازوال.
يقال أن هذه السفينة أرسلت نداء إستغاثة بعدما تعرضت إلى عطب أحال دون مواصلة سيرها خاصّة وأن حالة الطقس غير ملائمة للإبحار.
الأخبار حول هذه السفينة متضاربة والمتداول هو أن السلطات التونسية سمحت لها بدخول خليج قابس والرسوّ بالمخطاف على بعد ثلاثة أميال ونصف (7كم) غير أن الطاقم طلب إخلاءه من المتن قبل أن تغرق السفينة.
هل ارتكبت سلطات ميناء قابس مخالفة ؟
التحليل: لا بدّ من الإشارة قبل كل شيء إلى أن سلطات ميناء قابس ارتكبت مخالفة بسماحها إلى باخرة معطّبة بالدخول إلى خليج قابس الذي يُعدّ مياها داخلية قبل التثبّت من نوع العطب وتقييم مخاطره على البيئة.
وتجدر الإشارة إلى أن قانون البحار وخاصّة منه اتفاقية Montego Bay لسنة 1982 يلزم كلّ من يتلقّى نداء الإستغاثة بإنقاذ الأرواح البشرية ولا يلزمه بإنقاذ السفينة أو حمولتها. وهنا كان على السلطات التونسية إخلاء الطّاقم وتسخير أحد الجرّارات remorqueur المتواجدة بميناء غنّوش لجرّ السفينة إلى عرض البحر لإبعادها عن الخليج الذي يشكّل محضنة لتكاثر الأسماك pépinière والذي يفتح على جزيرة جربة بما فيها من منشئات سياحية.
ثمّ هناك بعض الفرضيات:
– لنفترض أوّلا أن السفينة جنحت ولم تغرق (échouage) مع أنه هذا الاحتمال غير وارد لأن عمق المياه جدّ كاف لتعويم السفينة إن كانت تبعد حقّا ثلاثة أميال عن اليابسة. في حالة الجنوح أنا واثق من أن البحرية الوطنية لها من الخبرات والمعدّات لتعويمها بعد إفراغها من الغازوال والتعويم على غاية من السهولة لأن الصدفة شاءت أن يتمّ الجنوح مع إكتمال القمر حيث يبلغ المدّ la marée أقصاه في خليج قابس.
– إن الغرق لا يتمّ إلاّ بتعرّض السفينة إلى ثقب كبير جرّاء حادث (un abordage: (accident مع سفينة أخرى أو بسبب ارتطام السفينة في قاع صخريّ.
وبما أن الطاقم لم يشر في طلب الاستغاثة إلى تعرّضه إلى حادث وبما أن منطقة الجنوب التونسي وعلى طول مسلك السفينة في البحر الأبيض المتوسط لا توجد أماكن صخرية فإنني أشك بأن الغرق عمل إجراميّ متعمّد قام به ربّان السفينة.
ضرورة الاحتفاض بالطّاقم وإحالة الربّان على التحقيق لتحديد المسؤوليات
مثل هذا الصنيع ليس مستغربا خاصّة وأنه سبق لعديد السفن أن تجنح في منطقة الرمال ببنزرت في ثمانينات القرن الماضي. ومثل هذا الصنيع يقوم به الربّان بأمر من المجهّز armateur للتخلص من سفينة بلغت مداها العمري ولم تعد تلبّي شروط السلامة من ناحية وقصد الحصول عن بعض التعويضات من شركات التأمين من ناحية أخرى.
وفي هذه الحالة الغرق لا يمكن أن يتمّ إلاّ بالفتح المتعمّد لفتحات المضخّات ouverture délibérée des vannes وهي عملية يمكن للخبراء التحقق منها عن طريق التصوير تحت الماء بواسطة الغوّاصين.
هذه الفرضية تفرض نفسها خاصة وأن الطاقم ذكر وأن الماء تسرّب إلى غرفة المحرّكات أين توجد هذه الفتحات vannes.
ومهما يكن من أمر فإنه لا بدّ بالاحتفاض بالطّاقم وإحالة الربّان على التحقيق لتحديد المسؤوليات من أجل المحاسبة ودفع التعويضات. هذا دون ان ننسى محاسبة من أذن بدخول السفينة إلى الخليج ما تولّد عنه هذه الكارثة.
ملاحظة : قبل مغادرته السفينة، من الواجب القانوني أن يحمل الربّان معه سجلّ المتن (الملاحة) journal de bord وسجلّ سير المحركات journal des machines وذلك للاستضهار بهما لدى القضاء. ما تحتويه هذه الوثائق من معطيات تساعد على تشخيص الحادث.
أتمنّى ألاّ يكون الربّان أعدم هذه المستندات التي تضاهي الصندوق الأسود بالنسبة للطائرات.
ضابط سابق في البحرية التجارية.
شارك رأيك