“لم يكن يدور بخلد الشاب الطموح الجالس في مقعد الطائرة المحاذي لمقعد كهل بالكاد تجاوز عقده الرابع أن مسافة الرحلة ستغير حياته للأبد و أنه سيصير بعد سنوات أحد أباطرة الإعلام في تونس. سامي الفهري كان هو الشاب الذي يجلس بجانب بلحسن الطرابلسي على متن الطائرة القادمة من باريس إلى تونس”.
بقلم: أحمد فرحات حمودي*
“كان زمن الرحلة كافيا ليقتنع بلحسن بفكرة سامي المتمثلة في تأسيس شركة إنتاج برامج ضخمة لم يتعود بها الإعلام التونسي الرتيب حينها والمنضبط لتعليمات الرئيس الحازمة. كانت الرحلة مخاض ولادة شركة “كاكتوس برود للإنتاج”. كان سامي الفهري قبل الرحلة منشطا إذاعيا بإذاعة تونس الدولية ومقدم برامج ألعاب على قناة 21. تسريحة شعره الجانبية ونحافته توحي بأنه فتى منضبطا وخدموما وكان بريق عينيه يشي بخلاف ذلك، شاب صاحب ذكاء متوقد. كانت بداية سامي الفهري مع الجمهور التونسي العريض من بوابة برنامج آخر قرار ثم دليلك ملك (دليلك ملك هو البرنامج الذي بثت أحد حلقاته بعد قطع بث كلمة رئيس المجلس الفيدرالي السويسري خلال جلسة افتتاح قمة المعلومات بقصر المؤتمرات بالكرم خريف 2005 عندما بدأ بنقد وضع الحريات في تونس حينها وقد كان قطع البث المباشر لكلمة الرئيس السويسري قادحا لأزمة دبلوماسية عميقة بين تونس وجينيف دامت لسنوات) ثم برنامج الصندوق الذي حقق نجاحا منقطع النظير ونسب مشاهدة قياسية. نجاحات كانت كافية ليصبح سامي الفهري شريكا لبلحسن الطرابلسي في راس مال كاكتوس وكان كافيا أيضا ليدخل سامي غمار الاخراج التلفزي من خلال مسلسل مكتوب. كان واضحا منذ البداية أن سامي كان يحمل حقدا ما على المجتمع وعلى النخب المثقفة في تونس وكان مكتوب فرصة له ليمارس بعضا من ساديته على بعض الرموز الثقافية مستغلا حاجتهم للمال للعيش. انتدب سامي للتمثيل في مسلسله الأول نخبة من المسرحيين المثقفين كمحمد إدريس ورؤوف بن عمر ولعل الحدث الأبرز حينها هي تمكنه من انتداب المسرحي الشاب عاطف بن حسين الذي كان أحد رموز الفن الملتزم والمقاوم للرداءة وكان أحد أبناء توفيق الجبالي المدللين. بدأ سامي الفهري مشروعه “الفني” التدميري والانتقامي من مكتوب بتقديم نماذج مجتمعية جديدة للشباب، الشاب المجرم/الرجولي من خلال بطل المسلسل “شوكو” كانت سقطة مدوية لعاطف بن حسين المناضل السابق من أجل التقدم والفن المقاوم والراقي وتواصل إنتاج سامي الفهري للمسلسلات وإخراجها وأضاف إليها الكتابة فجاء أولاد مفيدة بأجزائه تخلله مسلسل للا قمر (حتى عندما أنجز مسلسل تاريخي كان موضوعه تاريخ العهر عند البايات) ثم كان الفوندو بأجزائه. وعندما يسأل سامي الفهري عن سر اختياره للمواضيع يقول انه ينقل ما يحدث في المجتمع وهو رد متهاوي طبعا لان الظواهر التي يقدمها تمثل جزءا صغيرا من المجتمع ثم إن الأعمال الفنية لا تكتفي إطلاقا بنقل ما يحدث في المجتمع بل تضيف إليها الأهم وهي الرسالة والقيمة المستهدفة فما هي رسائل وقيم مسلسلات سامي الفهري؟ . والحقيقة استفاد سامي الفهري من ضعف مستوى المسلسلات التي ينتجها غيره وتعرض في باقي القنوات خلال مدة طويلة، بإستثناء صيد الريم وناعورة الهوا، مما أوحى للجمهور العريض أن ما يقدمه سامي جيد وطبّع جزء كبير من التونسيين مع الرداءة. على الضفة الأخرى ومن خلال بقية برامجه وأفكاره كشف سامي الفهري عن بقية مشروعه ببرامج فارغة وتافهة يؤثثها نوع جديد سمّو أنفسهم صانعو محتوى وتم استدعاء مفكرين ومثقفين ورموز وطنية لإهانتهم وتشليكهم حتى خيل لسامي انه استوى على عرش الإعلام والفن بصفة نهائية. وكان سامي قد تجاوز ببراعة وذكاء مطب الثورة بل كان من أكبر المستفيدين منها رغم محنته السجنية في مناسبتين (سجن نستنكره طبعا ونرفضه وقد تضامنت معه في المحنتين)
سنة 2018 : المنعرج
كان رمضان تلك السنة حاملا لمفاجآت غير سارة لسامي الفهري حيث تم انجاز مسلسلين الأول المايسترو للأسعد الوسلاتي والثاني النوبة لعبد الحميد بوشناق وقد تميز كل من العملين بجودة عالية وأعادوا للتمثيل قيمته بإشراك نخبة من ممثلي المسرح واكتشف التونسيون وجوها فهمو من خلال أدائها أن ما كانو يشاهدونه على قناة الفهري هو تشخيص واضح وفاضح للرداءة واستمر الثنائي الاسعد الوسلاتي وعبد الحميد بوشناق فكانت الحرقة في جزئيها الأول والثاني للاسعد وكانت النوبة في جزئيها الأول والثاني والسلسة السحرية الساخرة كان يا ما كانش في جزئيها لعبد الحميد بوشناق.
ولن نحتاج لعناء بحث لنفهم تحول الرأي العام تجاه أعمال سامي من الإشادة إلى الاستنكار. يبدو إذن أن التاريخ بصدد التغير هذا التاريخ الماكر الذي وضع الشاب الطموح في مقعد طائرة بجانب مقعد بلحسن الطرابلسي يبدو أنه يستعد لإنهاء حقبة سامي الفهري في الإعلام”.
أحمد فرحات حمودي، استاذ و ناشط سياسي
شارك رأيك