لعله من العبث أن نأتمن على الوطن من لا يؤمنون به و لا يسعون لصون سيادته و لا يضحون من أجله و لقد تبين بالتجربة و بالتضحيات الجسام أنه لا وئام بين هؤلاء مثل نجيب الشابي و حمة الهمامي و راشد الغنوشي و محمد المرزوقي… لا في البرامج و لا في انسجام الرؤى و لا في الالتزام بالوعود الانتخابية و هذه معالم طريق ظلوا عنها منذ سنوات.
بقلم أحمد الحباسي
لقد تفرس المتابعون في نفس الوجوه التي لا شيء يجمع بينها غير الخطاب اللئيم و السباحة عكس التيار و انتبهوا طبعا إلى أن رئيس حركة النهضة قد استقى هذه المرة بمفلس مثل نجيب الشابي ليبنى قصورا من الأحلام الانتخابية ستعيده إلى المناصب العليا للدولة لكن بعض دكاكين الاستطلاعات و بعض الأقلام أظهرت أن هذا الدكان الذي يجتهد مرشد الإخوان في بنائه كبناء العنكبوت و أنه ليس هناك أوهن من بنيان المتخالفين في الفكر الساعين لمصالح مختلفة.
لعل النبش في دفاتر هذه ثورة 2011 في تونس سيكشف بعض الأسرار الخفية و لذلك نحن نتذكر طبعا الدور المشبوه الذي قامت به قناة حنبعل سيئة الصيت لباعثها المدعو العربي نصرة في الليلتين السابقتين لرحيل بن علي إلى السعودية حين تكفل المنشطان عربية بن حمادي و وليد الزراع بمهمة قذرة و خطيرة لتوحي للمشاهدين و تختلق وقائع و أحداث مرعبة تبين أنها مجرد فبركة مقصودة و خطا “تحريريا” أريد من ورائه الإيحاء بانفلات الأمور الأمنية و هروب أركان النظام و وجود خطط اغتيالات و ربما محاولة انقلابية عسكرية.
الدور القذر لقناة حنبعل الذي لا تزال خفاياه مجهولة
كلّنا يتذكّر ذلك البث المباشر لقناة حنّبعل ليلة 14-15 جانفي ونداءات الاستغاثة التي أطلقها “مواطنون” من نوع : “بربّي أبعثولنا الجيش راهو الشرطة تضرب فينا بالكرتوش”، “هاو الشرطة والقناصة صدموا علينا فوق سطح الدّار كلمولنا الجيش، “عصابات تقتحم المنازل”.
المثير فى الرواية هو انقطاع بث القناة بعد فترة و ظهور نجيب الشابي وزير التنمية المحلية في حكومة السيد محمد الغنوشي مقدما اعتذار الحكومة لقناة أدت دورا قذرا لا تزال خفاياه مجهولة.
ما هي خفايا اعتذار السيد أحمد نجيب الشابي؟ لماذا حصل الاعتذار بعد أن تم إيقاف “باعث القناة” السيد العربي نصرة و توجيه اتهامات إليه تصل عقوبتها للإعدام؟ من “أثث” ذلك التوك شو الإعلامي المفبرك و هل كان ذلك لخدمة النظام السابق أو محاولة للتقرب من الإخوانجية؟ لماذا تم إرسال السيد نجيب الشابي دون بقية الوزراء و من هي الشخصية الحكومية التي كلفته بأداء هذا الدور القبيح لقناة كان من المفروض غلقها نهائيا و فتح بحث جزائي ضدها على الأقل من أجل بث أخبار زائفة و دفع المواطنين لمهاجمة بعضهم البعض و الإساءة للمؤسسة العسكرية؟ هل كان السيد نجيب الشابي الطابور الخامس المزروع داخل حكومة السيد محمد الغنوشي؟ هل يأتي الدور المشبوه الذي يلعبه الرجل الآن لتعزيز موقع حركة النهضة و إنقاذها بعد قرارات ليلة 25 جويلية 2021 تكملة لنفس ذلك الدور الذي ساهم في بث البلبلة للإيحاء بسقوط النظام و فقدانه للسيطرة؟
الثورة المباركة و لعبة “بيضني نبيضك”
يعتبر الإعلامي برهان بسيس أحد الأذرع الإعلامية النشيطة و الفاعلة لنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي و إلى حد الساعة التي سقط فيها هذا النظام قام الرجل بكل الأدوار المقززة و الخبيثة كل ذلك لخدمة و تلميع صورة هذا النظام التي تعرضت إلى كثير من الخدوش و الندوب خاصة بعد أن تربعت عائلة الرئيس و أصهاره على عرش مافيا استغلال النفوذ و نهب خيرات البلاد و الاعتداء و سلب حقوق المواطنين.
لم يقم السيد برهان بسيس بدور مهني إعلامي ملتزم بقضية الشعب بل كان مجرد بيدق خدوم و مطيع يحركه النظام و بالذات وكالة الاتصال الخارجي التي يشرف عليها سيء الصيت السيد عبد الوهاب عبد الله و لم يكن الرجل يعطي وزنا لكل المؤشرات الجدية التي كانت تنبئ بقرب انهيار النظام و لذلك فوجئ الرجل بما حدث و كان عليه أن يختفي على الأنظار بعض الوقت ليظهر بعد بعض الأشهر لتقديم الاعتذار و القسم بأغلظ الإيمان بأنه لن يعود للساحة. في مثلنا يقال أن “الحجر لا يذوب والعاهرة لا تتوب” و لذلك عاد هذا العميل من بوابة قناة نسمة لصاحبها الذي لا يقل عمالة نبيل القروي أحد المشبوهين الكبار المتهمين بالفساد و العلاقة بالمافيا و بات اليوم أحد الذين اعتمد عليهم الشيخ راشد الغنوشي لتبييض حركة النهضة بعد أن قامت الحركة بتبييضه قضائيا.
لقد مثلت السيدة سهام بن سدرين شخصية مختلف عليها من الجميع نظرا لماضيها الملوث نتيجة علاقاتها المشبوهة بعدة أوساط دولية و ببعض الدوائر الأمريكية الصهيونية لكن حركة النهضة رأت فيها الطرف الأنسب لتولي رئاسة هيئة الحقيقة و الكرامة مسخرة إليها نصيبا هائلا من أموال الشعب مع تحصينها من أية مراقبة أو مساءلة قانونية أو إدارية. لعل أخطر ما قامت به هذه الهيئة هو تحوزها على ملفات أمن الدولة إضافة إلى ملفات على غاية من الأهمية و الخطورة تمس من الأمن القومي و لحد هذه الساعة صمت الجميع عن مآل تلك الملفات رغم وجود شبهات قوية على أنه قد تسليمها لجهات أجنبية و تم حرق بعضها الآخر حتى لا تنكشف بعض الأسرار الشخصية المتعلقة بتعامل بعض الرموز السياسية مع نظام بن علي أو مع أجهزة استخبارات أجنبية.
ملفات تثير التساؤل بقيت إلى اليوم معلقة
يعد ملف القناصة أكثر الملفات خطورة و تشعبا و رغم إصرار الرئيس الراحل الباجي قائد السبسى على إغلاقه فقد بقيت الأسئلة مطروحة و الخفايا مكبوتة رغم كل الأدلة و القرائن و الشهادات التي تضمنها تقرير التحقيق في أحداث الثورة المنجز من الأستاذ توفيق بودربالة.
اليوم لا يمكن لعاقل أن يتصور أن ملف القناصة لم يغلق بقرار سياسي من حكومة النهضة و لا يمكن أن يتصور عاقل أن قيام هذه الحركة الإرهابية بإغلاق الملف لم تكن وراءه أهداف خطيرة تحققت بفضل تدخل هذه العناصر عالية التدريب.
يؤكد أرشيف صور ما يسمى بالثورة التونسية مشاركة عناصر معروفة من جماعة “فاحت ريحتكم” اللبنانية في اقتحام وزارة الداخلية التونسية و في تقديم معلومات مضللة لقناة الجزيرة القطرية و يعلم المتابعون بالطبع مدى علاقة مثل هذه المجموعات بالمخابرات الأمريكية و بمراكز التدريب التي فتحتها في رومانيا و بلغاريا لتدريب و تأهيل الكوادر التي شاركت في الثورة البرتقالية بجورجيا و الثورة المصرية و التونسية بطبيعة الحال.
كيف صعد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي إلى طائرة الرحلة الأخيرة و ماذا قدم له الجنرال رشيد عمار و الجنرال على السرياطي من معلومات تجعله يقرر إرسال عائلته للسعودية على الفور و من هي الجهات الأجنبية التي فرضت على النظام السعودي قبول هذا
الزائر الثقيل؟ ما الدور الذي لعبه وزير الدفاع رضا قريرة و هل أن ما أفرج عن المكالمات الهاتفية بين الرئيس بن علي وبعض أعضاء حكومته هي كل المكالمات؟ ما حقيقة طائرة الهيلكوبتر التي قيل أنها كانت تحوم حول القصر الرئاسي؟ ما الذي حصل بين خروج الرئيس السابق من قصر قرطاج رفقة عائلته و تواجده بالمطار ؟ لماذا لم تصاحب التلفزة التونسية عملية مغادرة الرئيس للبلاد و لماذا لم يتم سماع شهادات العاملين بهذا المرفق؟
هذه بعض الأسئلة و الملفات التي بقيت معلقة إلى الآن و حين ندرك حقيقة تدخل الجهات الأجنبية في وقائع الثورة التونسية المختطفة نتساءل بمنتهى الجدية كيف يقف الكونغرس الأمريكي في تحية إكبار لهذه الثورة مع أن الدوائر الأمريكية كانت تعلم علم اليقين أن ما حدث لا يحمل جنات الثورة الشعبية بل هي مجرد حالة حمل فاسد جعلت منه قناة الجزيرة و بعض القنوات المتآمرة الأخرى حالة ثورية تونسية لم يسبق لها مثيل في التاريخ. و تلك هي الكذبة الكبرى.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك