ينبع اهتمامنا بالانتخابات الفرنسية ليس من الروابط التاريخية الاستعمارية كما يعتقد البعض ويزعم بل من التواصل المباشر فى أوجه الحياة المتعددة بين تونس وفرنسا والمرتبطة اساسا باهمية الجالية التونسية بها سواء من الطلبة الدارسين او العاملين او المهاجرين غير الشرعين وما لهم من تأثير بالغ على اقتصاديات عائلاتهم وعلى أوجه الحياة الاجتماعية بل والثقافية لبلادنا ، وكذلك من اهمية حجم المبادلات الاقتصادية مع فرنسا سواء التجارية او عدد الشركات الصناعية الفرنسية العاملة ببلادنا والتى تشغل عشرات الاف من التونسين.
هذه الانتخابات اكدت مرة اخري ان فرنسا رمز الحرية وقيم الجمهورية و”بلاد الانوار” كما كانت تسمي فى القرن التاسع عشر تتجه نحو الانقسام والتطرف اكثر فاكثر بعد ان حصدت ” ماري لوبان” رمز اليمين المتطرف 42% من مجموع الناخبين الفرنسين وهى النسبة الأعلى فى تاريخ الجمهورية الخامسة منذ نشأتها على يد شارل ديقول قبل ستين سنة .
ماري لوبان سليلة العائلة اليمينية المتطرفة مهما تجملت لن تحجب الوجه القبيح لها وللجبهة المتنامية ضد الوجود العربي والافريقي على التراب الفرنسي ،وتنامي شعبيتها وجبهتها يؤدى الى نتيجة مباشرة لا اختلاف عليها وهي ان الخناق اصبح يضيق اكثر فاكثر على الجاليات المغاربية والإسلامية من الفرنسين وخاصة فرنسا الاعماق . وسيتاكد ذلك وبشكل واضح فى الانتخابات التشريعية التي ستجري بعد شهر ونصف من الان اين يتوحد اليمين فى مقابل يسار ووسط مشتتين .
خطاب ماكرون فى حفل اعادة انتخابه امس هو فى الحقيقة اعادة لخطاب الرئيس الامريكي بايدن وينبع كلاهما من الشعور العميق بانقسام مجتمعاتيهما وتنامي ظاهرة التطرف فيهما و الرغبة فى اعادة توحيد المجتمع على قيم الجمهورية التى اصبحت اثرا بعد عين لدى الكثيرين .
ولكن هل تكفى مجرد الخطابات لتوحيد المنقسمين !!!.
سيتوقف ذلك على ارادة الفرنسين وتوجه الحكومات فى السنوات القادمة وما يمكن ان يتحقق اقتصاديا واجتماعيا.
ونحن كمعنيين للاسباب المتقدمة بظاهرة العنف والتطرف بدورنا قد انتجنا داخل مجتمعاتنا لوبانات اخري خطيرة علينا وخطيرة على المستقبل.
اللوبانة الأولى
موجة الشعبوية والتطرف التى تتنامي كل يوم ، وتتجلى فى رفض الاخر فنحن فى مجتمعاتنا ميالون ايضا الى هذا النوع من التطرف والشعبوية .والمفارقة اننا ننبذها فى اوروبا ونتحالف ضدها ،ونغذيها فى تونس ونصفق لها وابرز مثال على ذلك قرارات رئيس الجمهورية الاخيرة بداية بالامر 117 هى تمث وجها اخر للخروج على مبادئ الجمهورية التى تقوم على القانون والمساواة بين الافراد واحترام الحريات وتكافؤ الفرص . فمبادئ الجمهورية لا تقوم على تقسيم التونسين وخلق تنازع بينهم وتقسيمهم الى الانقياء ومدنسين دون دليل وبين صادقين و كاذبين ومخلصين وانتهازين كما يفعل رئيس الجمهورية كل يوم .
قد تحصد هذه الموجة رضاء شعبيا أوليا ولكنها ستجعل الحياة مريرة بين ابناء المجتمع الواحد وتهدد السلم الاجتماعي وسيدمر فى النهاية كل تقدم اقتصادى واجتماعي
اللوبانة الثانية
ان الميل السافر من الاسلامين فى تقسيم المجتمع محليا ودوليا الى دار كفر ودار ايمان وجز الرؤوس كما وقع فى سوريا وليبيا وتونس والعراق ويقع اليوم فى مالى والنيجر وغيرهم من دول الساحل مظهر اخر متشدد للتطرف الاسلامي الذي يغذي التطرف اليميني فى اروبا مثلما فعلت العمليات الارهابية التى شنها المتطرفون بفرنسا كنيس والباتكلون التى ارتكبها تونسيون وهى عمليات تصب مباشرة فى حساب اليمين الفرنسي والأوروبي عامة ويعطيه مكاسب انتخابية فورية .
دعوتي الى الشباب التونسي الذي يحلم الكثير منه بالالتحاق بفرنسا وبالفضاء الأوروبي عموما ان تكون مقاومة نزعات التطرف اولا فى المجتمعات الأقرب و ثورات التصحيح والتمرد على الخطاب الشعبوى يجب ان تكون عالية فى المدة القادمة ولنبدأ بأنفسنا ومجتمعاتنا وذلك برفض الشعبوية والخطاب اليميني بوجوهه المتعددة . لنقاوم ماري لوبان وتطرفها فى فرنسا ولكن ايضا وبنفس القدر او اكثر يجب ان نقاوم لوبانت تونس .
شارك رأيك