ونحن بصدد إنجاز وثيقة مخطط 2023-2025 لا بأس من التوقف لحظة لمراجعة الأهداف التي كنا رسمناها للمخطط 2016-2020 ونرى ما تحقق منها وما مدى واقعيتها على المستوى المفاهيمي ورسم الأهداف الإستراتيجية الكبرى، دون الخوض في تفاصيل المالية العمومية التي يُفترض فيها أن تكون التجسيد العملي لما تم وضعه من أهداف، كما أننا سنكتفي بالتعرض لأهم الأهداف التي تم إقرارها والتي تكتسي طابعا استراتيجيا.
بقلم د. شكري تيساوي
تشير وثيقة تقييم المخطط 2016–2020 إلى أن إعداد المخططات كان قطاعيا في العشريات السابقة بما يعنيه من عزلة وتفكك بين الوزارات لحظة تشخيص الواقع ورسم الأهداف وتؤكد الوثيقة أن المخطط 2016 -2020 كان تشاركيا وسمح للجهات والمجتمع المدني بالمشاركة،
كما يشير من أعدوا وثيقة المخطط أن من ركائز المخطط المذكور هو مبدأ التمييز الإيجابي وإرساء مشروع حضاري يرتكز على الثقة في المستقبل و إحياء قيمة العمل وتأكيد الشراكة بين كل المتدخلين والعمل على رسم منوال تنمية يعتمد على القدرات الذاتية للجهات كما أكد على تدعيم الترابط بين المحلي والجهوي والوطني مع التركيز على أهمية دور الدولة واعتماد حوكمة تعتمد إصلاحات كبرى.
ودعا واضعو المخطط 2016 -2020 إلى إرساء مبدأ الترابط بين الجهات للحدّ من التفاوت بينها وداخل الولاية الواحدة من خلال إنجاز أو تطوير الطرقات الجهوية والطرقات السيارة والمناطق اللوجستية ودعم البنية التحتية الاتصالية وربط الهياكل العمومية بالشبكة الإدارية المندمجة (الرقمية) إلى جانب توفير أرصدة عقارية لضمان تهيئة ترابية فاعلة وتطوير منظومة تمويل التنمية الجهوية قصد الرفع من جاذبية المناطق الفقيرة وتطوير اللامركزية من خلال الترفيع من نسبة التأطير بها والعمل على تكوين الإطارات وعلى تحسين ظروف عيش السكان.
كما دعا واضعو المخطط كذلك إلى تطوير منظومة تمويل التنمية الجهوية من خلال بعث صندوق الودائع والأمانات و شركات الاستثمار الجهوي وصناديق التنمية والاستثمار بالجهات، وتطوير منظومة التمويل على المستوى الجهوي وتعميم مبدأ التصرف حسب الأهداف وتمكين الجماعات العمومية المحلية من الصلاحيات والموارد المطلوبة وتحيين المناشير المنظمة للبرامج الجهوية للتنمية واعتماد مؤشرات التنمية في توزيع الإعتمادات العمومية وتمكين الجماعات من حرية تحديد قاعدة الأداءات ودعم صناديق الاستثمار مثل شركات الاستثمار وصندوق الودائع والشركة التونسية للضمان والانخراط في مشروع الشراكة قطاع عام-قطاع خاص (PPP) والتفكير في دعم التمويل الذاتي للشركات والمقاولات ومراجعة مقاييس التمويل والتمديد في فترات الاستخلاص.
ومع الاعتراف بإيجابية التجربة اللامركزية السابقة، يدعو واضعو وثيقة المخطط إلى تشخيص هام لهياكل الولاية والمصالح الجهوية ودعم استقلالية البلديات والترفيع من مواردها المالية من 4% إلى 10% في الثلاث سنوات الأولى ثم 14% في الثلاث سنوات الثانية و 21% في الثلاث سنوات الثالثة و الترفيع من نسبة التأطير من 11% إلى %21 ثم %25 بنفس النسق الزمني، وأخيرا تم إقرار مبدأ التوسيع في صلاحيات للجماعات العمومية بــ 15% ثم 35% ثم %50 خلال تسع سنوات. ( لاحظ أنه مرت سبعُ سنوات على هذا الحديث).
كانت هذه أهم ملامح المخطط 2016–2020 ببعديها الآني و الإستراتيجي كما تم رسمها بعد عمل تشاركي بين الإدارة التونسية والمجتمع المدني.
هل تحققت الأهداف النوعية والكمية بعد سبعُ سنوات؟
ولنا أن نتساءل عما تحقق من هذه الأهداف النوعية والكمية بعد سبعُ سنوات مرت، لنخلص دون مبالغة أو تحيز أنه لم يتحقق شيئا مما تم إقراره من أهداف، ومع التنويه بحرفية إطارات وزارة التنمية الذين ينسقون عمليات إعداد المخططات التنموية والإشراف عليها في آن واحد وكذلك باقي الخبراء الإداريين في القطاعات الأخرى، والتأكيد أن العامل السياسي (في رأينا) كان محددا في وضع ملامح هذا المخطط وفي فشله كذلك، فإننا سنستعرض وبسرعة أبرز الهنات وأسبابها التقنية والسياسية التي شابت المخطط 2016-2020، علنا نعي الدرس ونتسم بالتواضع والواقعية في معالجة واقعنا الاقتصادي والاجتماعي مستقبلا.
بُني المخطط 2016-2020 على مبدأ والتشاركية وهو ما يعني تشريك الجهات في عملية التشخيص واقتراح الحلول وحيث أن والتشاركية تستدعي مبدأ مسؤولية المتابعة والتقييم والمحاسبة، كان يُفترض أن يتم تشريك الجهات في عملية تقييم نتائج المخطط وتحديد المسؤوليات سواء كانت إدارية أو سياسية، وتعتبر هذه الخطوة مهمة جدا لأنها فرصة للجهات لتتدرب على عملية التشخيص المادي لواقعه والابتعاد عن الشعارات والجمل الجوفاء المبنية على الجهل بمقتضيات العمل التنموي الجهوي والوطني، ولكننا سجلنا بأسف أنه تم تجاهل هذه العملية منذ انطلاق إعداد المخطط 2023–2025 في شهر جويلية 2021 وكان من الضروري تولي الإدارة مهمة تأطير الجهات ودفعها إلى الاهتمام بعملية التشخيص حتى نؤسس لوعي جديد بالصعوبات التقنية والبشرية والسياسية وأخذها بعين الاعتبار مستقبلا.
أرى شخصيا أن سبب هذا العجز هو البعد السياسي الذي تميز بعدم الاستقرار وهو ما أثر سلبا على الإدارة. و لا نزال نجهل إلى غاية اليوم (سوى بعض الخبراء والمختصين) نتائج المخطط السابق ونقاط الضعف التي تسببت في نسب استهلاك هزيلة الإعتمادات العمومية وخاصة في الشريط الغربي حيث لم يتجاوز معدل إنجاز المشاريع العمومية 35%.
البيروقراطية التي زادت في تعميق أزمة إنجاز المشاريع
أما بالنسبة لمبدأ التمييز الإيجابي، الذي يعني بالنسبة لي، ليس فقط الترفيع في نسب التمويل العمومي للبنية التحتية بل كذلك اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بضمان إنجاز المشاريع المبرمجة والترفيع في نسق إنجازها وإيجاد الحلول السريعة للمعوقات القانونية والإدارية ومن ضمنها إعادة النظر في بعض فصول الأمر المنظم للصفقات العمومية عدد 1039 لسنة 2014 والإجراءات الكفيلة بتغيير صبغة الأراضي وتوفير الأرصدة العقارية والترفيع في نسب التأطير بالإدارات الجهوية حتى تتمكن من التعامل بكفاءة أكبر مع المشاريع المبرمجة … ونرى اليوم أنه إضافة إلى عدم الاهتمام بهذه المعوقات الواقعية والمعروفة سلفا، فإن مبدأ تطبيق التمييز الإيجابي في جانبه البسيط وهو الترفيع من التمويل العمومي للجهات الفقيرة لم يتم الالتزام به، وإننا نعتقد أن سبب هذا التغافل هو سياسي بالأساس وإنه من الإجحاف تحميل الإدارة مسؤولية هذا الخيار ولو أننا نعيب على الإدارة المركزية والجهوية عدم قدرتها على التخلص من الثقافة البيروقراطية التي زادت في تعميق أزمة إنجاز المشاريع الجهوية والوطنية.
أما في يتعلق بعملية الربط بين الجهات بإنجاز الطرقات السيارة والمناطق اللوجستية وتوفير الأرصدة العقارية وتطوير المنظومات الرقمية والمؤسسات المالية لدعم التنمية الجهوية والحدّ من التفاوت الجهوي والرفع من جاذبية الجهات الفقيرة، فسنكتفي بالتعرض لبعض الأمثلة والأرقام لنتحقق من مدى تحقق أهداف المخطط، فقد تحصلت 16 ولاية “داخلية” وأغلبها في الشريط الغربي على 6174 مليون دينار تونسي بين 2011 و 2015 وكانت نسبة الإنجاز 40%، بينما تحصلت كل من ولاية جندوبة والقصرين والقيروان وسليانة وسيدي بوزيد والكاف و تطاوين و باجة على 29.8% من الاستثمارات العمومية بينما تم تسجيل نسبة إنجاز بهذه المناطق بين %29 و35% بين 2016–2020.
ونسجل من خلال هذه النسب أنه أولا لم يتم إنجاز سوى ثلث الإعتمادات المعلنة بصفة رسمية وثانيا نحن نعلم أن ما يتم الإعلان عنه يخص الإعلان عن نسب الاستهلاك في مستوى التعهد وليس الدفع أي أن الأرقام تخص نسب إنجاز العقود الخاصة بالصفقات وليس عمليات الإنجاز الفعلي بينما نعلم أن جل المشاريع استغرقت عملية إنجازها في عديد الجهات أكثر من ستة سنوات وأكثر، وبالتالي فإن النسب المعلنة (على ضعفها) لا تصور الواقع الحقيقي لعمليات الاستثمار العمومي الفعلي بالجهات الفقيرة.
توقف مئاة المشاريع الجهوية وتضرر قطاع المقاولات الخاصة
وأؤكد مرة ثانية أن ضعف نسب الإنجاز تعود إلى ضعف نسبة التأطير بالإدارات الجهوية وعدم استقرار هذه الإدارات طيلة العشر سنوات المنقضية إضافة إلى عدم توفر السيولة المالية الكافية لدى الدولة وهو ما تسبب في توقف مئاة المشاريع الجهوية وتضرر قطاع المقاولات الخاصة، أمام عجز المركزية البيروقراطية عن تقديم الإيجابيات العملية للتصرف في تقدم علمية إنجاز المشاريع على ضوء توفر السيولة المالية من عدمها ومساعدة الجهات على تقديم الحلول والإيجابيات القانونية بالسرعة والفاعلية اللازمتين لتجنب ضياع الوقت وتضخم أسعار مواد البناء و الطرقات وتعثر عمليات الإنجاز.
هذا هو المعنى الحقيقي لمعنى التمييز الإيجابي الذي كان على الدولة أن توفر شروطه وليس الاكتفاء بفتح اعتمادات في مستوى التعهد (عملية فتح أولية بمقتضى قرارات تمكن الإدارات من مباشرة إعداد الملفات الفنية للمشاريع) ونحن نعلم أنه في صورة عدم التقدم في عملية الإنجاز يمكن قانونيا فسخ هذه الإعتمادات المحالة للجهات طالما أنها لا زالت في مستوى التعهد، من قبل وزارة المالية، وكأن شيئا لم يكن. إن التمييز الإيجابي بهذا المعني هو تزوير مقنّع لحقيقة التصرف في العنوان الثاني من الميزانية السنوية، المخصص للتنمية ضمن قوانين المالية.
ويُعد دعم الترابط بين الجهات والمحليات خيارا محوريا لتقليص فجوة التفاوت الجهوي من خلال إنجاز جملة من المشاريع المهيكلة مثل الطرقات السيارة والمناطق اللوجستية والصناعية وتوفير أرصدة عقارية وتطوير المنظومات الرقمية والمالية بالجهات لتوفير كل أو جل شروط تحقيق بداية انطلاقة تنموية حقيقة والتي أصبحنا نلخصها في مفهوم جاذبية الجهات (ولو أن المفهوم أوسع من ذلك)، غير أن ما لاحظناه منذ 2016 إلى غاية سنة 2022 هو تقريبا العكس تماما حيث أن إقليم الشمال الشرقي مثلا والذي يتوفر على مساحة مخصصة للمناطق الصناعية مساحتها 2154 هك وهي مجهزة وموزعة، ومع ذلك فقد تم إنجاز 343 هك جديدة بهذا الإقليم كما تم إنجاز 391 هك بإقليم الوسط الشرقي، أما بالنسبة الشمال الغربي فقد تمت برمجة إنجاز مساحة 409 هك على امتداد المخطط نظرا للحاجة الملحة للمناطق الصناعية وتكاثر طلبات المستثمرين التي لا يمكن تلبيتها منذ أكثر من 20 سنة وكذلك الحال بالنسبة للوسط الغربي والجنوب غير أن نسبة إنجاز هذه المشاريع لم تتجاوز حوالي 8% إلى غاية اليوم.
المنظومة المالية والمنظومات الرقمية بالجهات سجلت تراجعا مدهشا
أما في ما يتعلق بتطوير المنظومة المالية بالجهات والمنظومات الرقمية في كل البلاد فإنها لا تزال تترنح إن لم نقل أنها سجلت تراجعا مدهشا، إذ نسجل تراجعا حتى بالنسبة للمنظومات الرقمية التي تم إنجازها في فترة سابقة، رغم كثرة الملتقيات الإعلامية والتكوينية التي تعد بالآلاف في العشرية الأخيرة والتي تحرص إدارتنا على عقدها في نزل من صنف أربع و خمس نجوم ولكننا لم نلمس تطورا ولو ضئيلا في نسق ونوعية العمل بالإدارة التونسية
وبالنسبة للقطاع البنكي الذي يُعد كذلك شرطا أساسيا لدفع الاستثمار فإنه لا يزال يتمسك بعدم تحمل مخاطر الاستثمار بالبلاد رغم انتفاعه بالعائدات المالية المتوفرة بفضل عمليات الادخار والتحويلات من الخارج والمعاملات التجارية والإنتاجية… وعوض العمل على السعي لتحقيق أهداف المخطط الرامية إلى الحد من التفاوت الجهوي فإن ما نلاحظه على الأرض هو أن إقليمي الشمال الشرقي و الساحل الشرقي اللذان يحتكران %87 من الأنشطة الاقتصادية والصناعية و 90% من الأنشطة السياحية قد حافظا على تقدمهما بفضل الالتزام بإنجاز البنية التحتية المطلوبة كما حافظا على نسبة عالية من الاستثمار الخاص بما أنهما إقليمين جاذبين، بينما نسجل غيابا تاما للاستثمار الخاص في باقي الجهات لأنها جهات طاردة أو منفرة كما يحلو لمختصينا القول.
إصرار الإدارات المركزية على تجاهل الواقع المحلي والجهوي
وبخصوص دفع مسار اللامركزية الذي تم إقراره بمقتضى الدستور والقانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 والذي يَقتضي دعم الجماعات العمومية المحلية، فقد أقرّ المخطط 2016-2020 الرفع في موارد الجماعات بشكل تدريجي من %4 من ميزانية الدولة إلى 10% في نهاية الثلاثية الأولى ثم إلى 14% في الثلاثية الثانية ونسبة التأطير إلى %11 ثم إلى %35 وأخيرا الترفيع في صلاحيات الجماعات العمومية إلى 15% في نهاية الثلاثية الأولى ثم %35 في نهاية الثلاثية الثانية ،فإننا نسجل عدم تحقق أي رقم من الأرقام التي تم إقرارها، ومع ذلك فإن وثيقة المخطط التقييمية تُدين الجماعات المحلية لعجزها على التصرف بكفاءة في أعوانها ومواردها وفي التفاعل بإيجابية مع جائحة كورونة ومع جملة من الأحداث الأخرى التي عاشتها البلاد، ونحن و إن كنا لا ندافع عن البلديات فإننا نَعي أن السبب الحقيقي لهذا العجز هو الخيارات السياسية التي أنتجت قانون الجماعات العمومية المحلية وإصرار الإدارات المركزية على تجاهل الواقع المحلي والجهوي والتمسك بالترويج لهذا القانون رغم تأكد عجزه على تنظيم عمل الجماعات العمومية وبروز العديد من النقائص والتناقضات التي يقرّ بها واضعو القانون بأنفسهم.
وإننا نعلم أن الإدارة التونسية قد راكمت خبرات قد تحولت إلى ثقافة إيجابية تكاد تكون غريزية عند من لا يزالون يباشرون أعمالهم، ولكن هيمنة الفعل السياسي المفرط في الجهل بكل معانيه والانتهازية السياسية المقيتة، فقد تسبب في حالة شلل تامة للإدارة ونسق الإنتاج في كل المجالات وحالة من الإحباط الجماعية وفقدان الأمل في مستقبل واضح المعالم وهو ما أثر سلبا على الأداء و المردودية الجماعية في أغلب مواقع العمل.
ولابد لنا مستقبلا إعادة النظر في جملة من الإجراءات والقرارات من خلال الالتزام برؤية واقعية وعلمية في آن واحد، حيث اتضح للجميع أن القانون الأساسي للجماعات العمومية عدد 29 لسنة 2018 قد تسبب في ضبابية الصلاحيات والإجراءات البلدية وقد أصبح من الضروري مراجعته، كما أنه من الضروري كذلك الالتزام الفعلي بالترفيع في الموارد المالية والبشرية لهذه المؤسسات (وهذا الموضوع يتطلب مقالة مستقلة)، كما أن موضوع العناية بجاذبية الجهات الفقيرة خاصة، يتطلب اعتمادات كافية وعلى رؤية واقعية تأخذ بعين الاعتبار كل نواحي البنية التحتية لضمان عملية الترابط بين الجهات والرفع من كفاءتها، ولكن كذلك الالتزام من قبل مختلف مصالح الدولة بتذليل الصعوبات العقارية وعمليات تغيير صبغة الأراضي وسرعة الردّ على طلبات الجهات والحسم في ملفات المشاريع في آجالها وفتح اعتمادات التعهد والدفع كذلك في آجالها ولو تطلب الأمر تحديد الأولويات استثنائيا، نظرا لعدم توفر السيولة بالشكل الكافي لدى الدولة وتتم عملية تحديد هذه الأولويات بتشريك الجهات حتى تساهم في تحمل مسؤولية إنجاز مشاريعها.
المطلوب اليوم هو القطع مع البيروقراطية القاتلة
و بالنسبة للهدف المعلن والمتمثل في تحسين كفاءة الإطارات بالوظيفة العمومية والقطاع العام والخاص والجماعات العمومية المحلية ضمن إدارة رقمية مندمجة، فإن هذه الأهداف تحتاج إلى شيء من الواقعية قبل إقرارها حيث أن موضوع الرقمنة كان قد تقدم شوطا (موضوع الحالة المدنية، نظام أدب للتصرف في المالية العمومية، منظومة إنصاف وعليسة للموارد البشرية و”إيديسورف” لمتابعة نتائج ومسيرة التلاميذ المدرسية، وغيرها كثير، وهي تشتغل وتحتاج فقط لمزيد التطوير والمتابعة) والمطلوب اليوم هو القطع مع البيروقراطية القاتلة وتفعيل جملة من القرارات التي تخص عملية الرقمنة وهو ما سيحقق عملية اندماج الإدارات التونسية وربح الطاقة والوقت وتشجيع المستثمرين الأجانب على القدوم إلى تونس،
وفي ما يتعلق بتحسين مستوى الكفاءات فإنني أرى أولا وجوب النظر في وضعية عملة الحظائر بالوظيفة العمومية والقطاع العام وأصناف أخرى من العمل الهش والذين يمسكون بملفات حساسة بمختلف الإدارات (وعددهم يقدر بمئاة الآلاف) والتقليل من الهرولة وراء كل الأفكار والمفاهيم المستوردة (المتعلقة بالإدارة والحوكمة عموما) والتي تتغير يوميا والاهتمام بالفئات التي ذكرناها لتكوينها في مجالات عملها أو ضمن مجالات تقتضيها المصلحة الوطنية على عين المكان واقتصاد الكلفة الجنونية لعمليات التكوين النظرية التي عايشناها وتمكين الدولة من الاستفادة من هذه الطاقات التي تمارس رغما عنها بطالة مقنعة.
نحن لم نأت على كل ما تم رسمه من أهداف للمخطط 2016 – 2020 ولكننا حاولنا معالجة أهمها، لعلنا بذلك نساهم في تحفيز الجدل الاجتماعي حول هذه المضامين وغيرها مما تم إقراره ضمن المخطط السابق ،قصد استخلاص الدروس والدفع بعملية التنمية.
باحث في علم اجتماع التنمية والإدارة.
شارك رأيك