تحل الذكرى تلو الذكرى لرحيل الدكتور الجيلانى الدبوسي في عام 2014 و يستمر الجدل المثير من خلال استمرار توجيه الاتهام لنفس المسؤولين المذكورين و على رأسهم الشيخ راشد الغنوشى لكن المفارقة تبقى متجليّة في مواصلة أجهزة الدولة و كل الحكومات المتعاقبة التستّر على الحقيقة و الرفض الكلّى للقضاء التونسي سرعة البت في لائحة الاتهامات الموجهة لقيادات حركة النهضة و بعض الكوادر الطبية المتواطئة معها.
بقلم أحمد الحباسي
هي جريمة دولة و قضية تعذيب و قضاء فاسد و مصالح و غايات مشبوهة ، كلها عناصر تجمعت في قضية الوفاة المشبوهة للدكتور الجيلاني الدبوسي الطبيب و البرلماني الراحل الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى سنة 2014 بعد رحلة معاناة في السجن تدخلت فيها عناصر مشبوهة من حركة النهضة لتعكير حالته الصحية و التسبب في وفاته.
رحلة العذاب و التعذيب التي تعرض إليها الراحل الجيلاني الدبوسى بدأت منذ سنة 2011 تاريخ تعرضه للاختطاف كما يقول نجله السيد سامي الدبوسي على يد عناصر تأتمر بأوامر القياديين في حركة النهضة نورالدين البحيرى وزير العدل آنذاك و عبد اللطيف المكي وزير الصحة في نفس الفترة و تخللها في سنة 2012 محاولة قتل غامضة بفصل التغذية الكهربائية عن الأجهزة الطبية التي كان الرجل المريض تحت عنايتها قام بها المدعو منذر الونيسى وهو أحد الأطباء المحسوبين على وزير الصحة عبد اللطيف المكي و المنتسب لحركة النهضة.
تزوير التقرير الطبي حول وفاة الدبوسي ؟
في إحدى تصريحاته المثيرة يؤكد نجل الدكتور الراحل أنه يملك بحوزته تسجيلا صوتيا للقيادي في حركة النهضة و وزير العدل السابق في حكومة الترويكا سيئة الذكر يطلب فيها من أحد الأطباء تزوير التقرير الطبي حول وفاة والده مضيفا أنه رفع الأمر إلى القضاء الفرنسي آملا أن تقوم الشرطة الدولية باستدعاء الوزيرين عبد اللطيف المكي و نورالدين البحيرى و الطيب الذي حرر تقرير الوفاة و إحدى زملائه المورطين على اعتبار مساهمة هذه الأطراف و كل من سيكشف عنه البحث في ما سمّاه بجريمة دولة و محاكمتهم بتهمة القتل العمد و المشاركة في القتل.
بطبيعة الحال لا أحد يعلم ماذا حدث بالضبط للدكتور الجيلانى الدبوسي طيلة فترة سجنه التي دامت أكثر من سنتين و نصف و ما هي الأسباب الحقيقية للأزمة الصحية الحرجة التي تعرض لها ساعات قليلة بعد الإفراج عنه من سجن المرناقية و لماذا رفض وزير العدل و وزير الصحة المذكورين الاستجابة لنداءات الاستغاثة المتتالية المقدمة من عائلة الرجل و من عدة منظمات داخلية و خارجية وماذا طلب من الرجل من تنازلات مقابل الإفراج عنه أو التخفيف من حدة المعاملة الوحشية القاسية التي تعرض لها داخل السجن.
لا أحد يثق اليوم في منظومة يقرّ أعضاؤها أنها فاسدة
ربما فتح القضاء التونسي البحث في الموضوع و لكن و كما يعلم الجميع فإنه لا أحد يثق اليوم في منظومة يقرّ أعضاؤها أنفسهم أنها فاسدة و مخترقة و تتلاعب بها حركة النهضة و لكن المؤسف أن قيس سعيد رئيس الدولة الحالي و الذي يرفع شعار الشفافية و المحاسبة و الضرب على أيادي الفاسدين و الذي كان المرحوم رفيق دربه في الدراسة لم يجد وقتا للنظر في هذه المظلمة التي ارتقت معالمها إلى جريمة دولة بامتياز و لم يكلف من يسعى فعلا لإنارة و كشف الحقيقة و لم يسع أصلا لمقابلة عائلة الدكتور الراحل ومعرفة التفاصيل المزعجة التي تملكها مما يقيم الدليل على أن الرئيس قد بات مجرد شخص يطلق الشعارات الجوفاء المتضاربة مع حقيقة الواقع و الأفعال.
من الظلم أيضا أن نتغافل على عدم الإشارة إلى المواقف المخجلة لحكومات يوسف الشاهد و إلياس الفخفاخ و المهدي جمعة و هشام المشيشىي و نجلاء بودن و الذين طبقوا المثل الشائع: لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم.
تحل الذكرى تلو الذكرى لرحيل الدكتور الجيلانى الدبوسي و يستمر الجدل المثير من خلال استمرار توجيه الاتهام لنفس المسؤولين المذكورين و على رأسهم الشيخ راشد الغنوشى لكن المفارقة تبقى متجليّة في مواصلة أجهزة الدولة و كل الحكومات المتعاقبة التستّر على الحقيقة و الرفض الكلّى للقضاء التونسي سرعة البت في لائحة الاتهامات الموجهة لقيادات حركة النهضة و بعض الكوادر الطبية المتواطئة معها.
من المؤكد أن هذه الجريمة البشعة ستظل وشما للعار في جبين حركة النهضة و لن يزول إلا بكشف الحقيقة و محاسبة القتلة و تقديم اعتذار دولة لعائلة المرحوم كما أنه من الثابت أن هذه الجريمة ستظل موضوع إدانة شعبية لأنها لم تكن مرتكبة من شخص واحد بل تدخل في نطاق التصفيات الجسدية التي تقوم بها حركة موصومة بالإرهاب و الاغتيال السياسي مثل حركة النهضة أو حكومة موالية لها.
إن جريمة اغتيال الدكتور الجيلانى الدبوسي ستظل قضية رأى عام و لن تنتهي تداعياتها حتى و إن تمّ الكشف عن الحقيقة كلّها و لذلك يكرر البعض المقولة الشائعة “يا قاتل الروح وين عندك باش تروح”.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك