أسأل: لماذا يضطر قادة سابقون للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى الإدلاء برأيهم حول موقف الرابطة الموافق على المشاركة في الحوار الوطني وحول قضاياها الداخلية، وبالمثل يتسابق أعضاء حاليون إلى الإصداع بمواقفهم السلبية حول ذات المواضيع على منصات التواصل الإجتماعي؟ بغض النظر عن الحق الحقوقي المطلق لكليهما في إبداء الرأي حول قضايا الشان الوطني، أظن أن ما تقدم من سؤال يكتسي أهمية كبرى ويجب أن يطرحه الرابطيون – أيضا – على أنفسهم.
بقلم فتحي الهمامي
الإشكال ليس في اختلاف المواقف وتباينها داخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فذلك طبيعي بل محمود وذلك من ميمزات تاريخها وتراثها، ولكن في تغييب الأطر الذي تنظمه. إذ كان على الساهرين على قيادة المنظمة الحرص على إدارة الاختلاف بين الرابطيين وتنظيمه وتوفير المناخ الملائم له داخل مؤسسات الرابطة وأطرها، مع العمل الدائم على تنمية ثقافة الحوار وتعميق روح الوفاق في اذهان مناضليها.
مواقف توافقية تجمع بين البعدين الوطني والحقوقي
وقد توصلت الرابطة عبر تاريخها وفي لحظات دقيقة من حياة بلادنا وبعد نقاشات مستفيضة الى بناء مواقف توافقية وإن بصعوبة تجمع بين البعدين الوطني والحقوقي كان لها وقعها الكبير وأعمق الأثر على المسار السياسي والحقوقي لبلادنا. فصار ذلك من تقاليدها وجزء من تراثها. وصارت بها الجمعية منظمة وطنية عريقة.
وفي الآونة الأخيرة أرى أن هذا ما لم تتوفق الرابطة الى سير على هداه، فالرابطيون لم ينجحوا في تنظيم حوار رابطي مؤسساتي هادىء بينهم حول عرض الحوار الوطني المزمع تنظيمه. وبالمثل حول قضايا أخرى من أهمها الانتقال السياسي الأخير في 25 جويلية وأخرى حول نظام تسييرها والحوكمة داخلها وحول مواقفها وتعطل مؤسساتها… وكان البديل عن ذلك في كل مرة نقاش متسرع غير مكتمل الشروط هو أقرب إلى المرور بقوة منه إلى الحوار الديمقراطي. مما أفرز تجاذبات موسومة بالتشنج الرابطة هي في غنى عنها.
وكل هذا يؤشر طبعا عن وجود شبه أزمة تمر بها الرابطة منذ مدة بل منذ مؤتمرها الوطني الأخير الذي كتبنا حينها عن حيثياته وأجوائه ثم تابعنا نشر ملاحظاتنا حول مسارها انطلاقا من غيرتنا عليها.
الخروج من مأزق الانقسام حول المشاركة في الحوار الوطني
إن الخروج من مأزق الانقسام حول الراي المتعلق بالإسهام في الحوار الوطني في شكله المقترح والنظر في غيرها من المشاكل الداخلية لتجاوزها ليس بعزيز على جزء هام من الرابطيين الملتزمين بقانونها الداخلي، إذ على مؤسسة القرار (المجلس الوطني) أن تتولى الأمر بسرعة وتخوض في موضوع الحوار الوطني ثم القضايا الداخلية الأخرى في أجواء ديمقراطية بناءة وبروح المسؤولية.
وأعتقد أن الترفع عن المواقف الفئوية كما الحسابات الفئوية التي ما انفكت تتسرب إلى جسم الرابطة كما يتسرب أي فيروس إلى جسم الإنسان من أوكد الشروط لإنجاح الحوار داخل الرابطة ومن ثمة تمتين مناعتها. وهنا أذكر كيف اندفع في وقت من الأوقات عضو هياة مديرة للرابطة إلى دعم ترشح منصف المرزوقي في الرئاسية في معارضة لواجب الحياد من قبله، وها هو الآن يجرها إلى موقف معارض للمشاركة في الحوار الوطني انطلاقا من نفس الروح (أنظر بيان قيادات سابقة للرابطة المنشور في الصحف).
ولا أظن في النهاية أن الموقف سيخرج عن التوفيق الخلاق بين الالتزام بالأرضية الحقوقية الكونية للرابطة ودورها الوطني.
أقول ذلك وأنا مازلت عند رأيي الداعي إلى المشاركة في الحوار الوطني مناديا إلى الإسهام فيه بوعي وتيقظ وتحسين شروط المشاركة فيه، فالانتقال الذي حدث في 25 جويلة لحظة إيجابية فاصلة في تاريخ البلاد يجب البناء عليها وتعميق انجازاتها ولو بالقليل إن لم نتوصل إلى الكثير.
عضو سابق للهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
شارك رأيك