طالما أنّ الصورة هي امتداد لحواسنا و تُهيمن على عملية التلقّي، فإنّها تُشكّل نواة الصناعة المشهدية أو ما يُصطلح عليه بالشووبيز Showbiz الذي أصبح ضرورة تسويقية لكلّ أنواع المنتوج سواء كان سياحيا أو إعلاميا أو سياسيا أو ديبلوماسيا أو حتى ثقافيا. تقريبا كلّ مناحي الحياة أصبحت خاضعة لمنطق Showbusiness بما أنّ هذا الأخير ينتعش من عالم الميديا والرقمنة و منصّات التواصل الاجتماعي. لكن الأسئلة التي تُطرح نفسها هل إنّ الصناعة المشهدية حِكر على قطاعات دون أخرى؟ أم إنّها تقنية حديثة يجب التعويل عليها كي نصل إلى الآخر دون محتوى قوي و دائم؟
بقلم ميلاد خالدي
ما زالت الصناعة المشهدية Showbiz في تونس لا يستحسنها الجمهورلأنّه يعتبر أنّ كلّ ما اقترن بالبهرج و الأبّهة و الضجّة الإعلامية سيكون محتواه بالضرورة هزيلا ركيكا ودون جدوى. يعود السبب في ذلك هو أنّ الطريقة و الأسلوب الذين يُقدّم بهما الشوبيز هو الركيك و المُتهالك.
في هذا الإطار يقول الموسيقي البريطاني James Blunt : “يجب التصرّف في عالم الشوبيز و جعله أكثر أهميّة”، هذه الأهميّة يجب أن تنبع من كون الصناعة المشهدية فعل مُتحرّك مُتجدّد مُواكب للثورة الرقمية و “جيل الإبهام” الذي يُدرك حنايا العالم من كاميرا هاتفه الذّكي.
الترويج الحقيقي هو الذي يسبقه فُرجة مُدويّة صاخبة
أثار قدوم لاعب كرة القدم البرازيلي رونالدينو إلى تونس موجة من السخرية و الانتقادات بتعلّة تشجيعه السياحة التونسية. لأنّ أغلب الشعب التونسي لا يفقه معنى أنّ التسويق للوجهة التونسية لن ينجح إذا لم تكن هناك ماكينة إعلامية و إشهارية لخلق الحدث ضمن ثقافة Showbiz. كُلّما كنت خافتا داكنا صامتا متستّرا تقليديا قتلت القطاع الذي تشتغل فيه وعليه. نفس الشأن ينطبق على الابداعات الثقافية من مسرح و سينما و معارض فنيّة و غيرها، الترويج الحقيقي هو الذي يسبقه فُرجة مُدويّة صاخبة بالألوان و الأصوات و الصور و مقاطع الفيديو قادرة على إثارة و إيقاظ ‘غريزة الشمس’ قبل ‘غريزة القمر’.
أتذكّر ناشرا شارك في معرض للكتاب لكن لم يزر جناحه أحدا، عندما سألته كيف حضّر للمعرض قال لي لم أقُم بشيء سوى أنّي وضعت طاولة في الوسط عليها حاسوبي و أربعة كتب و مُعلّقة بالية. حينها قاطعته و قلت له لا تُكمل، الآن فهمت الأمر. صناعة الكتاب و الترويج له يقتضي – أحببنا أم كرهنا – بهرجا يلامس العمق و جاذبية تحاكي الوجه و القفا، كي تكون قادرا على الوصول إلى ذلك القارئ المُتطلّب ‘قليل الهمّة’. في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، يقع تدريس Showbiz و التدرّب على تقنياته باعتباره علم و فنّ يستلهم وجوده وبقاءه من الهالة الإعلامية، الكفيلة أساسا بالتأثير.
الصناعة المشهدية أصبحت رديفة الحياة السياسية
فضلا عن أنّ الصناعة المشهدية أصبحت رديفة الحياة السياسية، حيث أنّ الانتخابات الرئاسية في فرنسا و لا سيّما في أمريكا تلجأ إلى الصورة الناطقة والمختلفة و اللافتة و القريبة من الصورة السينمائية القائمة على الحكي و التخييل و المُشبعة بالتأويلات الفنيّة و السردية Storytelling. ناهيك أنّ الناخب في نهاية الأمر لا يُصوّت لمن لديه برنامج و إنّما من يستميل أهواءه و مشاعره من خلال تحريك البعد الثالث المُنبثق من اللون و والحركة و العُمق.
أكثر المنتوج أو المحتوى تأثيرا هو الذي يخاطب حاسّة البصر و بالتالي فانّ درجة الاستجابة و القبول ستكون أرفع و أضمن في نفوس الجمهور، لذا على هياكل الدولة في تونس إيلاء Showbiz المكانة الذي يستحقّ و القطع مع فكرة أنّ الصناعة الفنيّة و المشهدية هي أسلوب تجاري ربحي بحت ينتفي فيه المعنى. على العكس تماما، فتقنيات السوق تطوّرت، إذ يمكن أن نجمع بين قيمة المحتوى و قوّة العرض الدائم في الزمن ضمن سياسة اتّصالية مُعاصرة تستأثر بالحّواس قبل العقل و المنطق لأنّ Showbusiness هو فنّ العرض المُستمرّ و الإدراك الحسّي المفتوح.
كاتب من تونس.
شارك رأيك