لعل ما يتفق عليه جميع المحللين اليوم في تونس هو أن الرئيس قيس سعيد قد رفض الحوار و مشاركة الأطياف الفاعلة فيه و خيّر سياسة الهروب إلى الأمام و لذلك فهم يجمعون على أن سقوط الرئيس سيكون وشيكا و لن تحميه من غضب الشعب لا ميليشيات و لا مرتزقة و لا بطانة السوء التي أحاط بها نفسه مؤخرا. ولا الغوغاء المتمثلة في الكيانات الفوضوية المساندة له من نوع ما يسمى ب”الحشد الشعبي”… (الصورة : أنس القعيد رئيس الحشد الشعبي و المنصف الوحيشي ناطقه الرسمي).
بقلم أحمد الحباسي
على رأي الفنان الكبيرعادل إمام في فيلم “واحدة بواحدة” و تلك المقولة الشهيرة “يا ناس يا عسل الفنكوش وصل” فوجئ المتابعون منذ أيام قليلة بوصول ركب حزب “الحشد الشعبي” باكورة أبناء الرئيس قيس سعيد من زوجته السابقة “الشعب يريد”، نعم، لقد تمّ على بركة الله وعونه تمكين حزب السيد الرئيس من تأشيرة الوجود و اختار مناصرو سيادته إسما على غاية الابتكار “الحشد الشعبي” و من الشعارات و الألوان ما يتطابق مع نظيره العراقي سيء الذكر مع أن المؤسسين لا يتركون مجالا إعلاميا إلا ليذكّروا كل من توجّس خيفة من أن هذا الحزب الوليد لا يعدو إلا أن يكون حراكا مدنيا بديلا عن كل الأحزاب السياسية الناشطة في الساحة و نقيضا لها.
بطبيعة الحال نذكر الجميع أن الحشد الشعبي هو تنظيم تأسس سنة 2014 بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل شمال العراق وهو تنظيم متهم بارتكاب جرائم مرعبة و انتهاكات ذات صبغة طائفية.
يافطة لإدخال تونس في معترك الحرب الأهلية
رغم كل تصريحات الطمأنة و التنويم المغناطيسي التي يطلقها السيد أنيس قعدان رئيس هذا التنظيم المشبوه فلا شك أن هناك إشارات لا تخطىء و لا تدفع للاطمئنان ليس فقط من حيث علاقة التسمية بأحزاب مشرقية في العراق و سوريا عرفت بممارسة الإرهاب بل أن شعاره قد جمع بين مكان التسمية و التسمية نفسها إضافة إلى الاشتراك في الألوان الأسود و الأبيض و الأحمر في إشارة غير خافية على أحد إلى الطوائف ليطرح السؤال هل ثمّة نيّة لدى مؤسسي هذا الحزب المساند للسيد الرئيس الذين يرى البعض أنهم مجرد باراشوك و يافطة لإدخال تونس في معترك الحرب الأهلية الأمر الذي دفع بالبعض للتساؤل هل ننتظر من النسخة التونسية لهذا الحزب أن تكون كيانا مسلحا موازيا للمؤسسة الأمنية و العسكرية و من هي الجهات الداخلية و الخارجية التي ستوفر إليه السلاح و تدفع رواتب المنتسبين إليه.
لقد ظل السؤال دون إجابة منذ الحملة الرئاسية التي نجح فيه الرئيس قيس سعيد وهو سؤال وجيه حول الجهة أو الجهات التي تقف معه في مواجهة الحملات الرئاسية الأخرى التي تدعمها ماكينة إعلامية و مالية كشف بعض جوانبها تقرير محكمة المحاسبات الذي رفض الرئيس تفعيله و محاسبة الأحزاب الممولة من الخارج وعلى رأسها حركة النهضة و قلب تونس و تحيا تونس.
إرهاصات و ارتدادات انقلاب 25 جويلية
كانت هناك أسئلة بقيت معطلة بلا جواب في حين لمّح البعض إلى وجود ما سمّى بالتنسيقيات التي قادت حملة الرئيس الانتخابية لتصنع مفاجأة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات في تونس و في البلدان المتجذرة في الديمقراطية لكن ظهور الحشد الشعبي و إصرار الرئيس شخصيا على تمكينه من الترخيص القانوني جعل كثيرا من الألسنة تتساءل من يحرك خيوط اللعبة و من يقف وراء الرئيس و ما هي أجندته السياسية و هل صدقت السيدة نادية عكاشة حين صرحت بأن الرئيس ليس إلا لعبة في يد الدولة العميقة.
لعل ما يثير الريبة و الشك في النوايا الخفية لهذا المولود المشبوه هو تأسيس الحشد الشعبي لمجلس قيادة تأسّيا بمجالس قيادة الثورة في كثير من الدول العربية و هي مجالس متكونة من بعض الضباط قامت بمجرد انتصابها بتصفية كافة من استعدتهم و جعلتهم من خصومها ، ما يثير الريبة أيضا أن هناك تلميحات من قيادة هذا التنظيم بكون الرئيس قد تدخل شخصيا من أجل حصولهم على الترخيص القانوني و هنا لا يمكن تجاهل أن هناك اتهامات علنية صريحة للرئيس بالنزعة الديكتاتورية بل هناك من اعتبر أن الرجل لن يسمح بعودة الأحزاب و لا مجلس النواب و لا كثير من الهيئات الدستورية مثل هيئة مكافحة الفساد إلا بتدخل حاسم للمؤسسة العسكرية و هنا تبرز علامات استفهام تقول أن الحشد الشعبي لين يكون على شاكلة الأحزاب بل هو مجرد جهاز شبه عسكري بإمكانه التصدي بمنتهى العنف لمعارضيه و ضرب كل انتفاضة شعبية تسعى لإسقاط الرئيس بسبب تعفن المناخ السياسي و الاقتصادي.
يقول بعض المراقبين أن الرئيس لا يريد أن يتقيّد بمشروع حزب بل هو يسعى إلى ضرب الأحزاب يبعضها تمهيدا لحلّها و أن كل عبارات الطمأنة التي يقدمها للجهات الخارجية هي مجرد مناورة و ضحك على الذقون.
لعلّ ما هو متوفر من تسريبات و تقارير و تصريحات يؤكد أن الرئيس يعيش حالة مخاض فكرية مضطربة خاصة و أنه توفّق بانقلاب ليلة 25 جويلية 2021 إلى تجميع كل السلطات التنفيذية في يده لذلك وجد بعد استماعه إلى نصائح “هيئة المفسرين” التى يقودها السيد أحمد شفتر إلى ضرورة استنساخ ميليشيا لا تختلف عن “الحشد الشعبي” في العراق أو “كتائب العاصفة” الجناح العسكري الذي اعتمد عليه الزعيم الألماني الراحل أدولف هتلر للصعود ومسك كافة السلطات ثم أطلق لها العنان للتنكيل بمعارضيه ورميهم في السجون و المحتشدات.
بطبيعة الحال لن يعترف السيد الرئيس ببنوته لهذا الوليد و سينكره إن لزم الأمر كما أنكر حزب “الشعب يريد” و أنكر صدور وثيقة الانقلاب التي تسربت من القصر في ماي من السنة الماضية لكن الجميع هذه المرة مصرون على أن الرئيس قد بات يعيش إرهاصات و ارتدادات الانقلاب الذي لجأ إليه طمعا في تنفيذ مشروع غريب و مبهم لن يقود تونس إلا للفوضى.
الرئيس سعيد يعزل تونس عن محيطها
من المؤكد أن “الحشد الشعبي” سيسقط كما سقطت الجبهة الشعبية و التيار الشعبي وغيرها من الأحزاب الكرتونية التي لا علاقة لها بهموم الشعب التي تدعي الانتماء إليه و من المؤكد أن التجاء الرئيس و لو بشكل غير مباشر و غير معلن لخدمات ميليشيات تمارس العنف هو تقديم دليل قاطع لعموم الناس بكون ما يطلقه من شعارات بائسة ليست إلا سلعة للاستهلاك المحلي بعد أن عجز عجزا غير مسبوق على معالجة مشاكل الشعب و اختار أن يعزل تونس عن محيطها و كوّن لها مجموعة من الأعداء بدون مبرر فضلا على كونه بتصرفاته و شطحاته بات مثار ريبة قصوى لدى الجانب الجزائري بدليل الأزمة الصامتة بين البلدين رغم التطمينات الأخيرة على لسان وزير الخارجية الجزائري السيد رمضان لعمامرة.
لعل ما يتفق عليه الجميع اليوم أن الرئيس قد رفض الحوار و مشاركة الأطياف الفاعلة فيه و خيّر سياسة الهروب إلى الأمام و لذلك فهم يجمعون على أن سقوط الرئيس سيكون وشيكا و لن تحميه من غضب الشعب لا ميليشيات و لا مرتزقة و لا بطانة السوء التي أحاط بها نفسه مؤخرا.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك