بعد أن أصدر أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بأريانة قرارا بتحجير السفر ضد ما يقارب 34 متهما في القضية المعروفة إعلاميا بالجهاز السري لحركة النهضة وعلى رأسهم طبعا مرشد الحركة و رئيسها السيد راشد الغنوشي الخريجى بات السؤال القديم يتجدد ليقول هل ستتم محاكمة الرجل رفقة قيادته المتآمرة و التي دمّرت البلاد طيلة عشرية سوداء بين أعوام 2011 و 2021 ؟
قلم أحمد الحباسي
خلال هذه العشرية السوداء التي نرجو أننا تركناها وراءنا و أغلقنا قوسها نهائيا سالت دماء الشهداء و تمت اغتيالات سياسية و تفجيرات مرعبة و نهب خيرات البلاد و السماح لكل من هبّ و دبّ باستباحة الوطن و التجسس على أسراره إضافة إلى فتح الآلاف مما يسمى “بالمدارس القرآنية” و الجمعيات الخيرية المشبوهة لتفريخ خطاب التكفير و الإرهاب و بعث نواة صلبة متمرسة قادرة على ممارسة القتل بدم بارد لتقوم بدور قذر يخدم المشاريع الصهيونية الأمريكية.
مسيرة ملوثة بالخيانة و الدم و بيع الذمم
من المؤكد أن قرار منع السفر قد أتخذ هذه المرة بعد تأكد قاضى التحقيق من جدية قائمة الاتهامات الموجهة ضد زعيم حركة الإرهاب و زبانيته من قيادات الصف الأول و كوادر ما يعرف بالجهاز السري الذي أكد وجوده القيادي الإسلامي الراحل المنصف بن سالم في كتابه “سنوات الجمر” لكن من المؤكد أيضا أن هذا القرار المفاجئ سيفتح الطريق سريعا نحو قوائم جديدة لا تحصى و لا تعدّ من القضايا نظرا لبشاعة إجرام هذه الحركة طيلة مسيرتها الملوثة بالخيانة و الدم و بيع الذمم.
في الحقيقة لا يمكن أن نتحدث مطلقا عن قرينة البراءة بالنسبة لقيادة حركة النهضة فهناك ما يكفى من الأدلة و القرائن و الاعترافات المتضافرة التي تؤكد ضلوع قيادة الحركة و على رأسهم الشيخ راشد الغنوشى و بعض المنتسبين إليها في القيام بعمليات التفجير و الاغتيال و ممارسة العنف و التخابر و رعاية و تسفير الإرهابيين و نشر الفكر التكفيري و محاولة التسلل إلى مفاصل الدولة و مؤسساتها المدنية و العسكرية إضافة إلى نهب أموال الدولة و سوء التصرف طيلة عشرية كاملة.
ربما يعتقد البعض أن هناك خلافا شخصيا بين عائلة الفقيدين شكري بلعيد و محمد البراهمى و الحركة الإسلامية لكن الأمر يتعلق بخلاف شعب مع ميليشيا دموية إرهابية يقودها فكر يطمح لممارسة العنف للوصول إلى غايات انتهازية و لخدمة أجندات أجنبية متآمرة و الغنوشى و رفاقه يواجهون قضية شعب أعلن نفوره من هذه المنظومة الإرهابية و كانت له مواقف معلنة آخرها ذلك الاكتساح الشعبي لكل مقرات النهضة بكامل البلاد و حرقها ليلة 25 جويلية 2021.
إرهاب حركة النهضة يتواصل منذ خمسين سنة
ربما يعتقد الشيخ راشد الغنوشى أنه بتجميع بعض فضلات الانتخابات السابقة أو ما يسمّون بجماعة الصفر فاصل مثل أحمد نجيب الشابى و الصافي سعيد و غازي الشواشى و رضا بلحاج و بعض المؤلفة قلوبهم مع حركة النهضة من الذين تآكلت أحذيتهم من فرط ترددهم على السفارات الأجنبية مثل جوهر بن مبارك و الحبيب بوعجيلة أنه سيستعيد قوته و جبروته الفارطة و أنه سيوقف بفضل ضغوط و تدخلات بعض المنظمات الدولية المشبوهة رغبة شعب كامل يبحث عن الخلاص منه و محاسبته.
هناك من يعتقد أن للرئيس قيس سعيّد يد في إحالة الشيخ راشد الغنوشي و جماعته على القضاء لكن هؤلاء يبخسون بذلك كل التضحيات والأحزان و الدماء و العائلات التي استهدفها إرهاب حركة النهضة طيلة أكثر من خمسين سنة كما يتجاهلون بجرة قلم ماكرة تضحيات و مواقف كثير من الشخصيات المختلفة التوجهات التي تعرضت لبطش و عنف ميليشيات الحركة و زبانيتها مثل عماد دغيج و “ريكوبا” و من سحلوا الشهيد لطفي نقض و من قاموا بحرق مقرات الأولياء الصالحين و من أرادوا إسقاط الراية الوطنية في كلية منوبة لولا شجاعة الطالبة خولة الرشيدي.
هل بدأ القضاء يسترجع شهامته المفقودة ؟
ربما جاء قرار إحالة زعيم الإرهاب على التحقيق و قريبا اتخاذ قرار بإيقافه نصرة لتضحيات الشعب التونسي و يحمل بشرى بأن القضاء قد بدأ يسترجع شهامته المفقودة و أن عملية محاسبة “الجماعة” قد بدأت بعدما انقطع الأمل في هذا القضاء المخترق و الذي أصبح مجرد أسم بدون مسمى يثير كثيرا من حالات الإحباط تجلت في عديد الوقفات الشعبية المطالبة بحل المجلس الأعلى للقضاء و محاسبة كل من ثبت فساده في هذا الجسم المتهالك.
من المؤكد أن محاكمة الشيخ راشد الغنوشي و رفاقه الإرهابيين لو كتب لها أن تحصل ستكون محاكمة القرن في تونس و ستكون تلك المحاكمة نهاية مشروع الإسلام السياسي و لعل هناك من الأمهات اللواتي اغتال “أطفال الشيخ” فلذات أكبادهن و خرجن بتلك المقولة “لئن قتلوا أبنى فإن لي ثلاثة أبناء آخرين سأهبهم فداء لتونس” سيسمحن ساعتها بتلقي العزاء في كل من فقدوهم طيلة عشرية الموت.
لقد كان هناك من طالب شيخ الإرهاب بالتنحي و ما سمّى بالخروج الآمن و أن يترك الساحة لكنه رفض كل هذه الاقتراحات مفضلا البقاء في كرسي هزّاز لفظه ليلة 25 جويلية 2021 ليصبح مجرد مجرم طريد تلاحقه عدالة الأرض و عدالة السماء علّه يقتنع بكذب مقولته الشهيرة بأن جلدة الزعماء خشنة و أن ما قضى عمره فيه من تنفيذ مشروع مشبوه و متآمر قد تبين أنه وهم أحمق و أرعن و كيان أوهن من بيت العنكبوت.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك