ما الذي يجعل من الزعيم بورقيبة مصلحا اجتماعيّا؟ كيف كان مشروعه الإصلاحي ثوريّا؟ كيف راهن الحبيب بورقيبة على الاستثمار في إصلاح العقليّات؟ ما طبيعة الرهانات التربويّة في الفكر البورقيبي؟ ما هي أبرز الإصلاحات الاجتماعيّة التي أنجزتها المرحلة البورقيبيّة؟ لماذا يؤمن البعض بحضور بورقيبة بيننا اليوم؟
تلك هي الإشكالات التي ناقشها وحاضر حولها عديد الباحثين والأكاديميين والمبدعين والمهتمين بقضايا الشأن العام في فعاليّات الأيّام الدراسيّة التي نظّمها المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” بالشراكة مع جمعيّة الدراسات البورقيبيّة حيث انعقدت في مقر المجمع سلسلة جلسات علميّة على امتداد يومي 1 و2 جوان مهتمّة بمسيرة إصلاحيّة يشهد بها الكثير من الخصوم.
المستبد المستنير
تتجلى الأبعاد الإصلاحيّة في سياسات مؤسّس الدولة الوطنيّة في تونس في إيمان الزعيم بالقيم الجمهوريّة ذات الصلة بالرهانات التربويّة والثقافيّة والإعلاميّة، وهذا ما اهتمّت به مضامين مداخلات الجلسة العلميّة الأولى التي ترأستها رئيسة قسم العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة ببيت الحكمة الدكتورة منيرة شابوتو الرمادي، وركّز فيها المجمعي سمير المرزوقي على علاقة بورقيبة باللغة الفرنسيّة التي وظّفها للتعريف بقضيّة وطنه، وخاطب بها نخب فولتير وديدرو وموليير مذكّرا إيّاها بحقّ التونسيين في التنعّم بقيم المواطنة والتنوير.
كما ذكّر عبد العزيز قاسم بمنزلة المثقفين وإعلام المضامين في المشروع البورقيبي ومراهنته على رموز الثقافة من أجل تسيير الشؤون الثقافيّة على غرار رهانه على الشادلي القليبي. وكذلك الشأن بالنسبة إلى عديد الأدباء المبدعين الذين تمّ تعيينهم في القطاعات الإعلاميّة والتربويّة ولعلّ محمود المسعدي من أبرزهم، ألم يعتبره بعضهم المستبد المستنير؟
وتناولت جلسة علميّة ترأستها الأستاذة فائزة الكافي الإصلاحات الاجتماعيّة ومنزلة العلم والتكنولوجيا في المقاربة البورقيبيّة، وخطط الزعيم الإصلاحي في سياق التنظيم العائلي التي مكّنته من الحضور “بيننا اليوم” على حدّ عبارة رئيس المجمع الخبير الاقتصادي محمود بن رمضان، فمن آمن بقيم “الأحوال الشخصيّة” لن يكون إلاّ حاضرا اليوم، لأنّه كان ثوريّا وفقا لقوله بمعنى تمرّد على منظومة قيّميّة معادية لمشروع حقوقي كوني، كما أنجز في سياقات محليّة وإقليميّة وعالميّة إصلاحات اجتماعيّة واقتصاديّة توثّقها لغة الأرقام. ومن الطبيعي أن يكون إصلاحيّا لما اتّسمت به مواقفه من المنجز التكنولوجي وانتصاره لمسارات العلم كما ورد في مداخلة الأكاديميّة فوزيّة الشرفي.
كذا هو بورقيبة ظاهرة تستوجب سلسلة من الندوات، لذلك يعتزم المجمع تنظيم هذه الايّام الدراسيّة دوريّا مثلما أعلن رئيسه في خاتمة الفعاليّات، وستكون الأيّام الدراسيّة القادمة دوليّة لما يحظى به المشروع البورقيبي من إشعاع عالميّ.
شارك رأيك