مؤسسة التميمي تنظم لقاءا حول معهد الصحافة والبيئة الصحفية والسياسية في تونس

سيمنار الذاكرة الوطنية بمؤسسة التميمي ينظم يوم11 جوان 2022 لقاءا حول “معهد الصحافة وعلوم الأخبار: النشأة والتكوين الأكاديمي والبيئة الصحفية والسياسية في تونس: شهادات وحوارات” و ذلك بمناسبة مرور 55 عاما على إنشاء المعهد الذي تخرج منه آلاف الصحفيين و الإعلاميين و الإتصاليين. تجدر الإشارة أن الحوار سيديره أحد أعمدة التدريس بهذا المعهد خلال قرابة الأربعين سنة وهو الأستاذ مهدي الجندوبي. ننشر في ما يلي الورقة التقديمية لهذا اللقاء.

كان معهد الصحافة ولا زال المؤسسة العمومية الوحيدة في البلاد المؤهلة لتكوين الصحفيين والاتصاليين أكاديميا ومهنيا.

تاريخيا انطلق التكوين الإعلامي في تونس مباشرة بعد الاستقلال أي منذ 6 نوفمبر 1956 بمبادرة من كتابة الدولة للإعلام في شكل دورات تدريبية. وانطلقــت تجربة أخـــرى مــنذ ســنة 1964 لتكوين الصحفيين والموثقــــــــين ضمـــن معهــد باش حانبه.

لقد بعث معهد الصحافة وعلوم الإخبار رسميا بموجب قانون المالية المؤرخ في 30 ديسمبر 1967، وتم إلحاقه بعد سنة من ذلك إلى كتابة الدولة للتربية القومية. في إطار مشروع مؤسسة التميمي حول الذاكرة الوطنية ستخصص سيمنار حول معهد الصحافة وعلوم الأخبار: النشأة والتكوين الأكاديمي والبيئة الصحفية والسياسية في تونس وسيكون ذلك من خلال بلورة محورين هما:

معهد الصحافة والخيارات البيداغوجية الكبرى والبحث العلمي:

بين سنة 1970، تاريخ تخرّج أول دفعة و 1976 تخرجت سبع دفعات محدودة العدد ضمن ما درج على تسميته النظام الدراسي القديم، و كان تأمين التكوين الصحفي يتم خلال تلك الفترة بالتوازي مع التكوين في إحدى الاختصاصات الجامعية الأخرى (حقوق، لغة فرنسية، لغة عربية…).

ومنذ السنة الجامعية 1973-1974، أصبح التكوين في معهد الصحافة مستقلا بذاته ضمن ما كان يسمى داخل المعهد بالإجازة الموحدة، يؤمن تكوينا صحفيا مختصا منذ السنة الأولى ضمن إجازة تمتد على أربع سنوات بعد الباكالوريا، إلى جانب التكوين الجامعي الأساسي في اللغات ومختلف مجالات الثقافة العامة.

منذ انطلاق السنة الجامعية 1992-1993. تم إقرار نظام دراسي جديد بعد إحداث لجنة وطنية بقرار من السلطة المركزية، فإلى جانب الأستاذية في الصحافة وعلوم الإخبار، أصبح المعهد يسند أستاذية مختصة في علوم الاتصال أو ما يعرف بالعلاقات العامة في المقاربة الأنجلوسكسونية. ويشمل التكوين جذعا مشتركا يخصص للتكوين في الثقافة العامة لفترة سنتين وتم تقليص المواد الصحفية الى حدها الأدنى والتركيز بالخصوص على تدريس اللغات ومواد الثقافة العامة، ثم يتفرع التكوين إلى شعبتين يطغى عليهما طابع الاختصاص في الصحافة أو في علوم الاتصال.

وقع تعديل هذه المقاربة البيداغوجية للتكوين منذ السنة الجامعية 2002-2003، في سياق ما بات يعرف بإصلاحات نظام “أمد”، وأصبح التدريس كما كان منذ بعث المعهد، يعتمد على التدرج البيداغوجي منذ السنة الأولى والتوازن بين مواد الثقافة العامة ومواد الاختصاص وعلى مزيد من التفتح على المحيط المهني والتحكم في المهارات وفي تكنولوجيات الإعلام والاتصال.

تمثل سنوات 2003-2004 نقلة نوعية في التكون الأكاديمي في المعهد وذلك بإقرار إسناد دبلوم الماجستير بحث والدكتوراه في علوم الإعلام والاتصال. كما يوفر المعهد منذ سنوات الماجستير المهني في الصحافة السمعية البصرية وصحافة الاستقصاء والاتصال السياسي هذا بالإضافة إلى ماجستير مهني في تكنولوجيات الاتصال وماجستير مهني في الاتصال البيئي سبق ووقع التخلي عنهما. وكان للمعهد قبل كل هذا وفي مقره القديم سنوات 1997 تجربة ثرية مع دبلوم الدراسات المتخصصة في الصحافة DESS مفتوحا على عدة تخصصات وتخرج منه عدد من الصحفيين الذين لمعوا في مهنيا في عالم الصحافة العربية والدولية من بينهم على سبيل الذكر لا الحصر الصحفي مكي هلال.

بحثيا ساهمت رسائل التخرج التي يعدها طلبة السنة الرابعة في تطوير نواة أدبيات البحث المتخصص في مجال الصحافة و كانت شبه مفقودة (انظر : دليل رسائل ختم الدروس الجامعية بمعهد الصحافة و علوم الاخبار 1971-2002، كراس المجلة التونسية لعلوم الاتصال، تونس 2003)، كذلك : ملخص رسائل ماجستير البحث في علوم الاعلام و الاتصال، المجلة التونسية لعلوم الاتصال، عدد مزدوج خاص، عدد 49-50، جوان 2008)، ثم تناولت بصفة أوسع مجال الاعلام و الاتصال و تعزز هذا التوجه برسائل الدكتوراه التي انجزها أساتذة المعهد بصفة موازية لتحملهم أعباء التدريس أو قبل انتدابهم و تم بعث وحدة البحث و التوثيق URD (Unite de recherche et de Documentation ) كفضاء اول لتأطير البحث في المعهد و منها نشأت فكرة بعث” المجلة التونسية لعلوم الاتصال” على يد المرحوم الأستاذ المنصف الشنوفي الذي أدار المؤسسة، طيلة 17 سنة، بعد السيد حسين علية مديرها الأول لسنوات قليلة، و انتظمت المجلة في صدورها منذ سنة 1982،الى اليوم بما يناهز 68 عددا .ونظّم المعهد منذ البداية، عدة ندوات علمية شارك فيها إضافة الى أساتذة المعهد العديد من المهنيين التونسيين والباحثين المغاربة والأفارقة ومن مختلف دول العالم وكانت تنشر الأعمال في كراسات منتظمة قبل صدور المجلة التونسية لعلوم الاتصال التي أصبحت منذ 1982 الفضاء الطبيعي لنشر أعمال الندوات العلمية.

المعهد والمحيط المهني والبيئة السياسية والتعاون الدولي:

لمعهد الصحافة أيضا إضافة الى ضخ نمط جديد من الصحفيين حاملي شهادة في تخصص الصحافة في مهنة كان يغلب عليها التكوين الميداني والموهبة، دور في توفير كادر وظيفي في المناصب العليا في الدولة من وزراء ومدراء وكوادر في أغلب المؤسسات السيادية وبصفة أخص وزارة الشؤون الخارجية التي تمكن عدد هام من خريجي المعهد النجاح في مناظراتها لما تميزوا به من ثقافة عامة وقدرة على التحرير. هذا بالإضافة إلى توفير خبراء دوليين وصحفيين في كبريات المؤسسات الإعلامية الدولية مثل قنوات البى بى سى وفرنس 24 وقناة الجزيرة وقناة العربية وروسيا اليوم ووكالة أ-ف-ب وغيرها من المؤسسات الإعلامية الكبرى تونسيا وعربيا ودوليا. وقد تخرج منه العديد من الطلبة التونسيين ومن العديد من الطلبة الافارقة في مرحلة أولى ثم من الدول العربية.

طيلة مسيرته العلمية والبيداغوجية كان معهد الصحافة مؤثرا ومتأثرا بواقع الحريات والإعلام في البلاد كان ذلك في الفترة البورقيبية أو بعد 7 نوفمبر 1987 أو منذ اندلاع ثورة 2011. كما كان المعهد نقابيا وسياسيا ساحة للتجاذبات حول الأدوار التي من الممكن أن يؤديها ،كان ذلك بين أساتذته أو طلابه أو خرجيه ويمكن في هذا السياق ذكر نقابة الأساتذة بالمعهد أو دور الاتحاد العام لطلبة تونس أو نقابة الصحفيين وقبلها جمعية الصحفيين التي انخرط ضمنها عدد متصاعد من قدماء المعهد لعبوا دورا جوهريا في طرح قضية استقلالية الجمعية و خاضوا معارك حرية الصحافة بنفس جديد و ترأست الجمعية لأول مرة شخصية نسائية و صحفية مستقلة، خريجة معهد الصحافة السيدة رشيدة النيفر بعد انتخابات مؤتمر 1980، أو ودادية قدماء معهد الصحافة.

وقد تميزت بداية السبعينات بمحاضرات الزعيم الحبيب بورقيبة حول تاريخ الحركة الوطنية بالمعهد والتي تم تدوينها في كتب مستقلة. وعرفت علاقة أساتذة معهد الصحافة بالسلط العامة وممثليها في إدارة المؤسسة مراحل تراوح بين الصراع والتعاون. وانعكس ذلك على هيئة الأساتذة التي عاشت صراعات داخلية كانت عنصر دينامية وثراء فكري نجد صداه في المناقشات والوثائق الداخلية التي تحمل آثار هذه الجدالات التي تداخل فيها البعد الأكاديمي والبعد السياسي والنقابي. واذ احتدت المناقشات حول مسائل مثل الاستقلالية العلمية للمؤسسة وأساليب تعيين المديرين. فقد عرفت أيضا أنماطا من التعاون بلغت أرقى درجة عندما تعاونت ثلة من أساتذة المعهد مع مدير مكتب الدراسات في وزارة الاعلام لإنجاز أول تحقيق ميداني لدى الخريجين والمشغلين، حول خريجي معهد الصحافة سنة (1981) وكذلك عندما شارك فريق من أساتذة معهد الصحافة في تقرير حول تكوين الإطارات في مجال الاعلام والاتصال، بطلب من المجلس الأعلى للاتصال، سنة 1991.

على مستوى التعاون الدولي حظي معهد الصحافة وعلوم الأخبار منذ سنة 1968، إضافة الى التمويل الحكومي عبر الميزانيات المتعاقبة، بدعم مؤسسة فريدريش نومان الألمانية التي جهزته بصفة منتظمة ومولت العديد من النشاطات العلمية في شكل ندوات، ليستمر هذا الدعم منذ بداية هذه الألفية مع مؤسسة كونراد إيديناور الألمانية أيضا.

وشارك في التكوين كوكبة من الأساتذة الأجانب ضمن اتفاقيات التعاون الدولي وتميز الأستاذ الفرنسي أندري بوايي André Boyer الذي أقام في تونس أكثر من 10 سنوات بمساهمة نوعية سواء على مستوى تصور البرامج أو على مستوى التكوين في مجال الإخراج الصحفي وسكرتارية التحرير ومتابعة ملف تجهيزات المعهد وحضوره المميز في ذاكرة طلبته من الأجيال الأولى التي غادرت المعهد قبل وفاته سنة 1982.

سيحاول هذا السيمنار والذي يتزامن مع الذكرى 55 لبعث معهد الصحافة وعلوم الأخبار إثارة سياقات نشأة هذه المؤسسة والعلاقة بين التكوين الأكاديمي والمهني بالمعهد ودور التحولات والتجاذبات السياسية الدائرة بالبلاد حول الحريات الصحفية وتنظيم الإعلام وإدارته طيلة الفترات السابقة. لم يكن معهد الصحافة منذ نشأته بمعزل عن الصراعات داخليا وخارجيا حول ملف الحريات الصحفية وقوانين الإعلام ومناهج التدريس وسيكون التطرق إلى كل هذه القضايا من خلال شهادات ثلة من الأساتذة ممن كان لهم حضور في مسيرة المعهد طيلة عقود. وستوجه الدعوة إلى كل الأساتذة القدماء المؤسسين والمباشرين بالمعهد وقدماء الطلبة والصحفيين.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.