الدمية بفنونها التي لاحصر لها أثبتت وجودها أمام كل ما طرحته التكنولوجيا من وسائط عبر ألاف السنين والتاريخ يشهد لها بذلك، نعم فنونها تعد منافسا جادا وحقيقيا لغيرها من الفنون الفرجوية و الدكتورة زينب عبد الأمير المتخصصة في هذا المجال الابداعي تتحدث عن هذه المواضيع في الحوار التالي.
حاورها طارق العمراوي
كيف تقدمين سيرتكم الذاتية للقراء ؟
يقول علماء النفس والاجتماع أنّ السيرة الذاتيّة تمنح المؤلّف فرصة إعادة رسم تاريخه الخاص على المُستوى الأكاديمي والمهني حسب التسلسل التَّاريخي لها دون زياداتٍ غير واقعيَّة، ولهذا أنا حريصة على تثبيت كل ماهو واقعي وحقيقي فيها، وبشكل مختصر أقدم سيرتي الذاتية بكوني مختصة في مجالي مسرح الطفل ومسرح الدمى، وبعض المحطات المهمة فيها منها تأسيس المركز الثقافي العراقي للطفولة وفنون الدمى وبشكل رسمي ضمن المنظمات غير الحكومية فضلاً عن اختياري ممثلة الاتحاد الدولي للدمى ( اليونيما) في العراق، وكوني ممثلة المؤسسة العربية للدمى والعرائس في العراق إلى جانب العديد من الأعمال الفنية المتخصصة في هذا المجال وأخيرا تأسيسي لفرقة مسرحية (فرقة مسرح الدمى الحُر) مع مجموعة من طلبتي النجباء في قسم الفنون المسرحية تُعنى بفنون الدمى لا سيما مسرح الشارع، وهي فرقة مسجلة بشهادة رسمية في نقابة الفنانين العراقيين.
تقييمكم الميداني لجدلية التثقيفي والإمتاعي في عالم العرائس والدمى ؟
حقيقة إن النص المسرحي المثالي وفق خصوصية واشتراطات مسرح الدمى لايعاني اي جدلية بين التثقيفي والامتاعي رغم أن هذه الجدلية قائمة لدى بعض الكتاب والمخرجين غير المتخصصين في هذا المجال !! فالدمية بحد ذاتها تفرض مستويات عدّة من الإمتاع للمتلقي الكبير والمتلقي الطفل، إمتاعا جمالياً عبر الشكل والحوار وكوميديا الموقف والحركة وغيرها إلى جانب أخر يأتي بعده في مخاطبة المتلقي لا سيما الطفل ألا وهو الجانب أو المضمون التثقيفي والتعليمي.
.
هل الدمى منافس جاد لوسائل التواصل الاجتماعي وتنوعها ؟
الدمية بفنونها التي لاحصر لها أثبتت وجودها امام كل ما طرحته التكنولوجيا من وسائط عبرألاف السنين والتاريخ يشهد لها بذلك، نعم فنونها تعد منافس جاد وحقيقي لغيرها من الفنون.
هل يمكن إدراج الدمية ولاعبها ضمن أدوات العمل البيداغوجية بالمؤسسات التربوية والتعليمية ؟
.
بالتأكيد هي أفضل وسيط بيداغوجي في مجال التعليم انطلاقاً من كونها لعبة الطفل المحددة فضلاً عن كونها الأقرب إلى نفس الطفل والأكثر محاكاة لخصائصه العقلية والحسية والانفعالية واللغوية … وهذا ما أكد عليه الفيلسوف والكاتب والمربي الفرنسي (جان جاك روسو)عبر دعوته إلى الانتباه إلى لعب الطفولة في تعليم الطفل، ويرى عالم النفس والفيلسوف السويسري ( جان بياجيه) عبر نظريته في النمو المعرفي إن الطفل كي يزاول نشاطاً معرفياً لابد من أن تكون هناك حاجة أو دافع فطري ، ولهذا أولت الدول المتقدمة اهتمامها بمسرح الدمى وتوظيفه في العملية التربوية من خلال مسرحة الخبرات والمعارف مما يجعلها سهلة الإدراك وواضحة ومشوقة في الوقت ذاته
هل ارتقت التجارب العربية المعاصرة لتنافس التجارب الغربية أو الشرقية ؟
رغم كل المحاولات الجادة التي يبديها المؤمنون بهذا الفن ( مسرح الدمى) من فنانين مختصين ومربين وعلماء ، ورغم كل ما قُدِّم من تجارب عربية معاصرة في هذا المجال، إلا أن هذا الفن مازال يعاني إشكالية قبوعه داخل إطار وحدود الهامش إزاء مركزيته في دول الغرب والشرق الأقصى… نعم مازال الكثير من المعنيين بالشأن الفني والثقافي والتربوي في المؤسسات الحكومية، ينظرون إليه نظرة استعلاء ولا يضعونه كغيره من الفنون في مخططاتهم الإستراتيجية كي يحتل مساحته الحقيقية
هل الطفل اليوم يأتي لمشاهدة الدمية والديكور والموسيقى والحركة أم للمضامين والرؤية التي تحكم محركها ويريد تمريرها ؟
طفل اليوم ليس طفل الأمس في ظل ما طرحته الوسائط التكنولوجية الحديثة من عوالم بصرية مبهرة وجذابة ومثيرة ، ولان بنية العرض المسرحي في حقيقتها تستند إلى تدرج أو تراتب هرمي حركي للعناصر المشكلة له عبر الألوان والتكوينات وأداء الممثل أو الدمية بوصفها شخصية مسرحية، لذا لابد من تحقيق المتعة البصرية قبل كل شيء عبر الإضاءة والأزياء والماكياج والأداء الحركي والموسيقى والمؤثرات الصوتية وحتى أوزان الشعر في الأغاني وإيقاعاتها، جميعها يجب أن تؤدي وظيفتها الشكلية ( الجمالية) في جذب انتباه المتلقي عبر استثارة حاسته الجمالية لتؤدي به بعدها إلى استخلاص المضامين والقيم والدلالات الممكنة على المدى الزمني للعرض ، وهذا الطرح انطلق به من مبدأ وحقيقة ثابتة لابد أن يعرفها الجميع، ألا وهي أن الطفل جاء للمسرح كي يستمتع. كي يلعب ، المسرح فضاء لعبي بالدرجة الأولى يمرر من خلاله ما نريد إيصاله من مضامين ومعارف وقيم بعيداً عن المباشرة
هل نجحت الوزارات العربية المعنية بالأمر والجمعيات والتجارب الفردية في خلق جيل ثاني وثالث لتوارث هذا الفن الجميل وما هي طلبات الفنانين من هذه الهياكل لحكومية لكي يتواصل هذا الشكل الإبداعية في المستقبل ؟
هناك بعض الدول العربية التي تأثرت بالثقافات الأوربية ومنها تونس ومصر وبعض دول الخليج، تمتلك من الوعي الكافي بضرورة تطوير هذا الفن وجذب الطاقات الشبابية إليه عبر إقامة العديد من الورش والمهرجانات المتخصصة وتطوير قدارتهم ومهاراتهم، واستقطاب الخبرات الأجنبية والعربية المتخصصة في هذا المجال، بل وحتى تضمين مناهج الكليات والأقسام العلمية المتخصصة لديهم مواد تُعنى بتثقيف الطلبة وإكسابهم المهارات اللازمة في هذا الحقل، وهذا إن دل ، فهو يدل على الوعي الكبير بأهمية هذا النوع المسرحي لديهم رغم ضعف الوضع الاقتصادي لبعض هذه الدول … بينما نجد في المقابل دول عربية أخرى تنظر – من وجهة نظرها المقصرة – لهذا الفن بالعين التي تنظر بها إلى الطفل !!! وهنا اقصد إنها لا تبالي لهذا الفن ولما سيكون عليه الطفل في المستقبل ظناً منها ان هذا الفن يرتبط بالطفل فقط ولايوجّه إلا لشريحة الأطفال، وهنا أعود لأعزز إجابتي عن السؤال الخامس في توضيح أهم الأسباب التي جعلت هذا الفن عربياً لايخرج من دائرة الهامش .. فهي لا تراه إلا فناً يرتبط بالمتلقي الطفل !! والطفل لا يشكل لديها سوى واجهة دعائية لشعاراتها الزائفة في المحافل الثقافية والفنية التي تقيمها – مضطرة – حوله، كي تثبت إنها دول تراعي حقوق الطفل وتعمل وفقاً لبنود اتفاقية حقوقه التي وقعت عليها مسبقاً !! لهذا يعاني هذا الفن الإهمال كما الطفل. كما إن جميع التجارب والمحاولات الفردية التي قدّمها ومازال يقدّمها المعنيون من المختصين بهذا الفن عربياً، مازالت غير قادرة على خلق أجيال قادمة لخدمة واستمرارية هذا الفن بالشكل الحقيقي !! ذلك إن هذا الجانب يرتبط بتوجّه ودعم مؤسساتي حكومي من قبل الدولة، فكيف لنا أن نضمن استمرارية وتطوير فنون الدمى وخلق أجيال قادمة تشتغل عليها ، إن لم نخرّج من كلياتنا ومعاهدنا الفنية مختصين في هذا النوع الفني !؟ ما الضير من أن يُفرد لهذا الفن فرع متخصص إلى جانب فروع أقسام الفنون المسرحية !؟ ما الضير من استقدام الخبرات العربية والأجنبية لعقد ورش متخصصة في هذا الحقل الفني بدعم حكومي !؟ مالضير من إرسال المهتمين والمختصين – وهم قلائل – إلى البلدان المتقدمة في هذا الفن لاكتساب وتطوير القدرات لديهم !؟ هناك إشكالية ضعف وعي كبير تتحمله الدول وأنظمتها وسياساتها ومخططاتها المقصرة تجاه هذا العالم الساحر عالم الدمى.
. …
شارك رأيك