أثار اللقاء الذي جمع نائبة وزيرة الخارجية الأمريكي بالسيد نورالدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل كثيرا من علامات الاستغراب لدى الأوساط السياسية التونسية التي رأت فيه خروجا سافرا عن الأعراف الدبلوماسية و موقفا مشبوها يراد منه إظهار وجود مساندة الإدارة الأمريكية للإضراب العام الذي يلوح به الإتحاد يوم 16 جوان 2022 .
بقلم أحمد الحباسي
طبعا لكل طرف سياسي تفسيره و تأوليه و همزه و لمزه و للاتحاد تفسير لن يقنع أكثر الأطراف الموالية له لكن الثابت أن الإدارة الأمريكية قد أرادت بهذه الخطوة الماكرة التعبير عن غضبها و تململها من سياسة اللعب المباشر التي ينتهجها الرئيس قيس سعيد دون الاكتراث بمفعول ارتدادها على العلاقات بين البلدان أو على الملفات الحارقة التي تباشرها حكومة الرئيس مع المؤسسات الدولية المانحة.
تراجع هيبة البلاد بشكل فاضح
في حقيقة الأمر لم يتغير الحال على ما كان عليه قبل حل البرلمان و تعطيله لأن حركية السفراء الأجانب في تونس قد تمادت في نفس النسق أو أكثر و بات الشارع يعتقد أن تلك الزيارات التي يؤديها هؤلاء السفراء هي مؤشر سيء على تراجع هيبة البلاد بشكل فاضح و استغلال تلك الهشاشة من بعض السفراء للقيام بنشاطات متعددة دون الرجوع إلى رقابة و ترخيص وزارة الخارجية الفاقدة للوعي منذ صعود الرئيس قيس سعيد إلى سدة الحكم و ذهابه في تسطير سياسة خارجية رعوا نية فاشلة عزلت تونس عن محيطها الإقليمي و الدولي بدون مبرر.
المشكلة مع هؤلاء السفراء الأجانب الذين يتصرفون “فوق العادة” لم تعد بروتوكولية بحتة أو تنظمها الاتفاقيات الدولية و بالأخص اتفاقية فيينا لسنة 1961 التي تناولت و نظمت العمل الدبلوماسي بل بات الأمر يتعلق بانتهاكات سافرة و نشاطات علنية مشبوهة تؤكد أن هناك بعض الدول تريد شرّا بالبلاد التونسية.
لماذا يقفز سفراء و أعوان المخابرات داخل بعض السفارات الأجنبية على اتفاقيات فيينّا عمدا للقيام ببعض المهمات المشبوهة و لماذا يصر طاقم السفارات نفسها على تجاوز بروتوكول الاتفاقية المذكورة و القيام بدون حمرة خجل أو حياء بعدة اجتماعات سرية و علنية مع بعض الشخصيات و الأحزاب و المنظمات التونسية دون إعلام و استئذان وزارة الخارجية التونسية و لماذا تقبل هذه الشخصيات والمنظمات و الأحزاب بمقابلة السفراء و كوادر السفارات الأجنبية مع علمهم المسبق بأن ذلك غير مسموح به في العرف الدبلوماسي؟
بطبيعة الحال ما يحصل فى بلادنا ليس معزولا تماما عن هذه الأصوات القبيحة التي تطالب بتدخل بعض هذه البلدان و تسليط الضغوط المختلفة على النظام التونسي و هي دعوات فجّة وصلت حدّ المطالبة على لسان الرئيس المؤقت السابق محمد المنصف المرزوقي بإلغاء قمة الفرانكفونية التي كانت ستنعقد بتونس أواخر شهر مارس 2021 إضافة إلى دعوات أخرى بقصد منع المساعدات الأوروبية و قطع المحادثات مع الجانب التونسي في خصوص القروض.
ربما تصاعدت لغة خطاب رئيس الدولة السيد قيس سعيد في الفترة الأخيرة في علاقة برفض التدخلات الأجنبية و كادت أن تحدث أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية كما جاء بالتسريبات المنسوبة لرئيسة مكتب الرئيس السابقة السيدة نادية عكاشة و ربما هاجم الرئيس لجنة البندقية سيئة الصيت و هدد بإغلاق مقرها بتونس على خلفية إبدائها لبعض الملاحظات حول الاستفتاء الرئاسي المزمع تنفيذه يوم 25 جويلية القادم لكن هل أن التهديدات كافية لمنع تدخل بعض السفراء أو القضاء على مخططات تدخلهم و سعيهم للتحالف مع بعض الرموز السياسية لمساعدتهم على الاستيلاء على الحكم في الوقت المناسب و ما يحصل من تقارب علني أو خفي مع رموز تحالف ما يسمى “بجبهة الإنقاذ” الذي يقوده السيد أحمد نجيب الشابي خير دليل على حالة تشابك المصالح التآمرية بين فئة من المرتزقة السياسيين التونسيين و بعض دوائر السياسة و الاستخبارات الأجنبية الحالمين بالسلطة و المستعدين لبيع الوطن بثمن التراب.
في كثير من دول العالم تعتبر الاتصالات مع السفارات و التخابر مع دول أجنبية من الخيانة العظمى لكن كيف نستغرب تصرف ما يسمى ب “جبهة الإنقاذ” المتكونة من رموز مفلسة تعودت على مآدب السفارات و خبايا دور المخابرات و كيف لنا أن نتساءل لماذا غرق السيد المنصف المرزوقي و أسامة الخليفى و نبيل القروي و غيرهم في أحضان دكاكين البيع و الشراء للذمم التي تديرها هذه الدول التي لم تتخلى عن نزعتها لاستعمارية لكنها تفضل تخريب الدول المستهدفة بأيادي أبنائها أولا.
لكن السؤال يبقى قائما إلى أي مدى سيبقى نشاط بعض السفراء مباحا و مسكوتا عنه و هل أنه من مصلحة السلطة أن تتغاضى على هذه العلاقات المحرمة بين الجهات التونسية و الأجنبية و إلى متى سيظل الحديث في هذا الموضوع من الممنوعات وهل كتب على هذا الوطن أن يعيش بجوار الخيانة دون أن ينتفض؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك