لم تكن هناك ضرورة لقيام الاتحاد التونسي للشغل بإضراب عام في القطاع العمومي يشل الحركة الاقتصادية في البلاد ويضرب كل المؤسسات بقوة ونتائجها ستظهر بعدئذ لا شك ستكون كارثيّة، وما كان ليحدث هذا لولا أن السيد نور الدين الطبوبي ومن شايعه أراد أن يجعل من الإضراب المزعوم رسالة قوية للرئيس قيس سعيد والحكومة التونسية بأن يرضخا لشروط الاتحاد بعد أن أقصى هذا الأخير نفسه من الحوار الوطني الجاري في البلاد هذه الأيام، وهو حوار منقوص وإن بدأ في مرحلته الأولى لأنه ينبغي أن يكون موسّعا أكثر مما هو عليه الآن.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
وبعد أن نفش الاتحاد العام التونسي ريشه اليوم وأعلن إضرابه وأقام الحدّ على مؤسسة الرئاسة إن صحّ التعبير سيزداد الأمر سوءا وستتعطّل مؤسسات البلاد تباعا بفعل هذا التصرف الذي قام به ليبرهن أنه قوي على الساحة ولا تستطيع أي جهة مهما كانت قوتها حتى لو كانت في حجم مؤسسة الرئاسة أن توقفه، كما لم يستطع حراك 25 جويلية كذلك أن يوقفه رغم محاولات قام بها لإبطاله، ولكن يبقى الاتحاد العام التونسي للشغل عقبة كأْداء وكبيرة في وجه الإصلاح السياسي المطلوب في تونس في هذا الوقت وأكثر من أي وقت مضى.
إضراب سياسي بامتياز و طموحات سياسية غير مشروعة
ولعلنا نذكر دوره الكبير في تشتيت الرأي السياسي وتعويله على الإضرابات المتكررة في عهد الترويكا مما تسبّب في شلّ حكومات كانت متعاقبة وبيّن بما لا يدع مجالا للشك أنه يستخدم الاتحاد لتحقيق مآربه السياسية رغم أنه في كل مرّة يعلن أن لا يتدخّل في السياسة وأنه عمل نقابي وطني ولا يسكت عما يجري في البلاد من غلاء في المعيشة وتدهور للاقتصاد، لكنه في الوقت نفسه عاجز عن تقديم رؤية واضحة المعالم للخروج من المأزق الاقتصادي والسياسي الذي تعاني منه البلاد ويكتفي بشعاراته المزعومة أنه يقف بجانب العمال والمواطنين التونسيين لكنه في الحقيقة هو يغطي على جرائمه السياسية وطموحاته العبثية.
الإتحاد يريد أن يكون دائما قويًّا يستفز الطبقة الشاغلة ويضغط على الدولة التي لم تستطع أن تخرج من معاناتها السوداء منذ الثورة وهو يريد أن يكون مُسيطرا على البلاد ولو لم يحكم مباشرة، فتجييشه الشعب وممارسته البلطجة في البلاد لإيقاف جميع مؤسساتها بدعوى الدفاع عن العامل التونسي هو ضرب من السفسطة والتهريج الذي لا فائدة من ورائه، وتعمّده البقاء في بين هذا وذاك، فلا هو انحاز كليا لرئيس الدولة وأفكاره الإصلاحية ولا ذهب مع المعارضة كليا وانخرط في جبهة الخلاص الوطني، لكنه لا يستطيع بمفرده أن يطوي صفحة وينشئ صفحة أخرى مغايرة.
متى تقف الدولة على رجليها وتعلن أنها قوية ؟
وفي هذا الوقت بالذات لا نستطيع أن نقول عن هذا الإضراب العام في القطاع العمومي الذي حدث في تونس يوم الخميس 16 جوان 2022 إلا كونه إضرابا سياسيا بامتياز لأنه وضع أهم جبهة تشغيلية في مواجهة جبهة الرئاسة وهو ما لم يحدث من قبل الثورة لأن الدولة كانت تحت حكم بوليسي لم يستطع الاتحاد خلالها أن ينبس بكلمة واحدة عن الإضرابات والإخلالات التي تحدث اليوم وتُمزق الدولة التونسية وتُفتتها إلى قطع صغيرة يسهل السيطرة والاستيلاء عليها.
ما يحدث في تونس اليوم أمر عجيب وغريب، فمتى ستهدأ الأمور، ومتى يشعر التونسي أنه ينتمي إلى دولة المؤسسات؟ ومتى تقف الدولة على رجليها مرة أخرى وتعلن أنها قوية في وجه التيارات العبثية والفوضوية التي تسعى إلى تدمير البلاد أمام أعيننا ونحن نرى التدمير يقضي على كل جميل ويُقصي كل وطني، هل نحن نحتاج إلى وفاق بين الأحزاب والتشكيلات وهذا لم يحصل من قبل رغم وجود الفرص الكثيرة والمتتالية، أو نحتاج إلى شخصية تجمع ولا تفرق تكون قوية وصارمة وتحكم البلاد بلغة القانون والعدل بين الناس، فما الذي يحدث فعلا في تونس؟
شارك رأيك