في غضون أربعة ايام بعد نشر مشروع دستور الجمهورية الجديدة في الرائد الرسمي من قبل رئيس الدولة، يوم 30 جوان 2022، سوف يقف الشعب حول مدي صحة المعطيات من عدمها التي يروجها خصومه ومعارضوه حول أفكاره السياسية و مشروعه السياسي و العلاقه التي يريد تكريسها بين رئيس الجمهورية و أجهزة الدولة و حول ما يسمونه انقلابه على الشرعية وسعيه إلى تكريس نظام سياسي شعبوي أساسه “البناء القاعدي والديمقراطية المباشرة”…
بقلم رؤوف الشطي
الجميع سيقف ايضا علي رؤى رئيس الدولة بخصوص عدد من المفاهيم الهامة كمنزلة “الاسلام في الدولة” أو “طبيعة القضاء”، سلطة مستقلة بذاتها أو وظيفة في الدولة….و كذلك مدى تناغمه مع مشروع النص الذي أعدته اللجنة الاستشارية التي يترأسها العميد الصادق بلعيد، أستاذ القانون الدستوري، علما أنه أكد أكثر من مرة أن رئيس الجمهورية لم يتدخل قط في كتابة مشروع الدستور وأن اللجنة عملت بحرية تامة…
مناكفات على خلفية طموحات شخصية أكثر منها وطنية
لجنة بلعيد، كما يتضح من التسريبات ومداخلات أعضائها في الإعلام، توفقت بفضل خبرتها وكنهها لطبيعة التونسي والتصاقها بمشاغله وفهمها للإكراهات الجغراسياسية لتونس في وضع مشروع دستور في وقت قياسي يتماشى مع متطلبات الدولة وتطلعات الشعب وطموحاته المشروعة في النمو الاقتصادي والازدهار الاجتماعي والحرية السياسية وذلك بالرغم من الأجواء السياسية المشحونة والساخنة ضدها في الداخل والخارج والمناخ الاجتماعي والاقتصادي المتردي جدا والمناكفات بين السلطة وعدد من الأحزاب السياسية علي رأسها حركة النهضة ومشتقاتها وجبهة الخلاص الوطني ومقاطعتهما للجنة ودعوتهما إلى العدول عن المشاركة في الاستفتاء… دون أن نغض الطرف عن معارك الزعامتية بين أساتذة القانون الدستوري على خلفية طموحات شخصية أكثر منها وطنية.
شخصيا لا أخال الرئيس يدخل تحويرات جوهرية علي مشروع النص تربك العمل الجبار الذي قام به العميد بلعيد وأعضاء اللجنة وفلسفة الدستور والتعاون والتناغم بين أبوابه وفصوله و بالخصوص النقاط المتعلقة باالهوية وبطبيعة الهياكل الكبري في الدولة ( تحديد ما إذا كانت سلطات أم وظائف) وبالعلاقات بينها.
دستور ديمقراطي حداثي إنساني متوازن
سوف نتأكد عند نشر مشروع الدستور أن الرئيس عندما فوض الأمر إلى العميد بلعيد كان هدفه فعلا وضع دستور ديمقراطي حداثي إنساني متوازن وحكم الفصول والأبواب لدولة مدنية مهابة وقوية تصون حقوق الإنسان الكونية وحرياته الأساسية وتكفل في الآن نفسه حقوق الدولة، دستور يستمد روحه وفلسفته وأحكامه من تجذر التونسي في هويته التونسية التي تجعل منه زبدة لحضارات عديدة وتمسكه بالدولة وحرصه على هيبتها وديمومتها بصفتها البيت التي يتساكن تحت سقفه الجميع، و الضامنة لديمومة المؤسسات ولحرية المواطن واستقلال البلاد ومناعتها….
المناكفات السياسوية التي يدور رحاها اليوم حول مشروع الدستورعلى خلفية الصراع السياسي بين رئيس الجمهورية وخصومه (رغم فشلهم الذريع طيلة العشرية الأخيرة) لا يجب أن تثني الشعب عن قراءة مشروع النص الذي سينشره الرئيس والمشاركة بكافة في الاستفتاء المقبل لحسم الأمر ووضع البلاد علي السكة بعد عشرية الخراب التي أتت علي كل شيء.
على الطبقة السياسية رغم كل الخلافات أن تفهم أن العميد بلعيد ما كان ليدخل في هذه العملية لو لم يكن متأكدا من نجاحها ومن ضرورة القطع مع دستور 2014 الذي أسهم بقسط كبير في تعطيل سير دواليب الدولة طيلة 11 سنة وتمكين الجمهورية الجديدة من قانون أساسي يكون الفيصل بين الجميع ويحقق لتونس ماتبصبو إليه… وهذا هو الأهم والأكيد.
سفير سابق.
شارك رأيك