هل عادت حركة النهضة فعلا إلى العنف ضد النظام السياسي القائم و الذي دأبت عليه في الماضي كلما ضيق عليها الخناق و بدأت الأرض تتحرك تحت أقدام قادتها و العدالة تهتم ببعض أوجه نشاطهم المعلن منها و السري ؟ هناك من يدفع في ذلك الاتجاه و المطلوب هو معرفة الحقيقة كل الحقيقة دون مواربة أو تشويه.
بقلم ياسين فرحاتي
لا حديث هذه الأيام داخل الأوساط الإعلامية و الغرف السياسية المغلقة و الشارع التونسي إلا عما عرف بملف “استهداف حياة رئيس الجمهورية” من طرف جهاة سياسية و كأننا أمام قضية رأي عام و ثمة انطباعين أوليين أو فرضيتين لا ثالث لهما : الأول بأن الخبر صحيح دون أن نضفي عليه طابع القدسية فالجهة الرسمية التي أعلنت عنه تابعة لرئيس الدولة و يمكن القول أو الإقرار إن ثبتت الأدلة و الحجج و البراهين أن النهضة كتنظيم سياسي هي حزب عاد مجددا كما حدث في الماضي لما ضيق الخناق عليه كثيرا زمن الاستبداد في أواخر عهد بورقيبة و مع أوائل التسعينات في عهد بن علي إلى تحريك بعض خلاياه و أجنحته العنيفة و الحال أنه في آخر مؤتمر للحركة قد تبنى مبدأ الدولة المدنية و التخلي عن كل ما يدعو للشبهات.
ملف “الجهاز السري لحركة النهضة” يطفو من جديد على السطح
إن كان الأمر كذلك وجب محاسبة الحركة أشد الحساب من وجهة نظر النظام الجديد و أول خطوة لوأد “مشروع إخوان تونس” حسب المعادين لتيار الإسلام السياسي هو إلصاق كل التهم السيئة و الضارة بهم و فتح الملفات القديمة و الجديدة من أحداث باب سويقة التي لم تطو صفحاتها بعد من أذهان التجمعيين و الدساترة و أنا لا أنكر وجود تجاوزات و ردود أفعال شديدة و صعبة لا بل مؤلمة لما كان يعرف بحركة الإتجاه الإسلامي إلى ملف الاغتيالات السياسية في ما يتداول إعلاميا و قضائيا بملف “الجهاز السري لحركة النهضة” و المتهم الرئيس فيه هو الحبيب خذر و كأننا أمام زعيم لتنظيم القاعدة كأسامة بن لادن أو أيمن الظواهري أو أبو مصعب الزرقاوي أو أبو عمر البغدادي نظرا لتصميم القضية فهي ككرة الثلج تساهم عوامل أخرى في تكبيرها و جعلها أم القضايا!
الذي يجب أن يقال هو كشف الحقيقة للرأي العام و أن تكون لوزارة الداخلية مصداقية محترمة لدى الرأي العام بشكل عام و لدى المواطنين و بعض أحزاب المعارضة و منها حركة النهضة و جبهة الخلاص الوطني التي تقدم نفسها كجبهة للإنقاذ الوطني ذلك أن الداخلية كمرفق عمومي مؤتمن و منور بعدته سلامتنا و أمننا الوطنية ليست محل ثقة أو إطمئنان و عقلية رجل الأمن لم تتغير نحو الإيجابي بعد الثورة و كل ما نراه هو عودة إلى المربع الأول مربع القمع و قمع الحريات و الرأي المخالف عبر تركيع وسائل الإعلام العمومي و حتى العديد من الإعلام الخاص و سجن أصحاب الرأي المخالف على غرار الصحفي صالح عطية ذلك أن أدنى أو مجرد إشارة أو تلميح إلى مؤسسات الجيش أو القائد الأعلى للقوات المسلحة بلوم أو نقد موضوعي يحيل صاحبه إلى غياهب السجون ثم المحاكم العسكرية لأشخاص مدنيين. أمر غريب و الله ! لأنه متى كان جيشنا يفهم خبايا النفوس و ما تخفيه الصدور ذلك أن النية محلها القلب و قلب لا يعلمه إلا خالقه جل في علاه.
الأهم من التهم هو إثباتها بما لا يدعو إلى الشك
إنني أرى الحالة سواء ثبتت التهمة المتعلقة بعملية استهداف حياة رئيس الجمهورية أم لم تثبت و تم طي الموضوع مع مدة قصيرة أو طويلة نسبيا و كأنها زوبعة في فنجان دون إبلاغ الشعب التونسي المسكين بذلك و محاولة إيهامه بخطر داهم و محدق بالبلاد في كل مرة لأنه كم مرة قال الرئيس قيس سعيد بأنه تعرض لمحاولة تسميم إلا عبر الطعام و إما عبر ظرف بريد لقد عشنا و لا زلنا نعيش معه كل أطوار “نظرية المؤامرة”.
صفوة القول أنه يريد أن يرينا إلا ما يراه هو صحيحا و صائبا في إطار فلسفة مشروعه السياسي المثير للجدل و الذي من أجله يحاول فرض دستور جديد للبلاد عبر استفتاء شعبي قد تزور فيه إرادة الناخب الذي يكون قد انطلت عليه فيه حيلة و مكر سياسيين.
صحيح و هذا يجب إقراره و الإعتراف به أن النخبة السياسية التي حكمت خلال العشرية الماضية و من ضمنها حركة النهضة و أحزاب أخرى و كان أداؤها أقل ما يقال فيه أنه رديء و غير فعال و لا ناجع و قد كان دخول زعيم الحركة راشد الغنوشي تحت قبة البرلمان لتخلي رئاسته بمثابة الوبال عليه و على حزبه و على البلاد و كأن المثقف المستنير الأفضل له أن موجها و مرشدا و يعمل من داخل كواليس السياسة و هذا كان مثبتا معه طوال توليه لهكذا مهمة تسييرية إشرافية مشابهة. و النتيجة أن الغنوشي كمفكر إسلامي قد وقع في الفخ و قيمته قد تدنت كثيرا وهو يجري وراء المناصب السياسية فهل له من مخرج ثان داخل شعب تاريخيا مقسم إلى ثلاث مجموعات : الموافقين و المنافقين و المفارق بحسب النظرية الخلدونية الشهيرة.
من قبل تم القبض على وزير العدل السابق للحركة نور الدين البحيري و تم العبث و التنكيل به في عمل شبه بعمل العصابات و مكث لمدة بعيدا عن أسرته و بعد ذلك تم الإفراج عنه دون أن توجه إليه تهمة ما و منذ يومين يعتقل رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي وهو الذي غادر دهاليز الحكم قبل 25 جويلية، ببضع سنين و هو الذي استقال طوعا و بمحض إرادته. فمن أين له هذه القوة و النفوذ السياسيين اليوم حتى توجه إليه تهم خطيرة ليست هي الأولى ثبت بطلانها من قبل.
و طبعا سيتهافت المتهافتون و المنتقمون لتعويض خسائرهم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية من جرائها و الحال أن لكل منا نصيب في حالة الفشل الذريع الذي نعيشه و ذلك لحالة وهن أصاب إيماننا حيث أعطينا صفة القداسة للحاكم و كأنه يحكم بشرع الله بينما هو لا يفتأ يخادعنا و يضفي صفة الطهارة على نفسه و كأنه ملك كريم.
من المتوقع و الله أعلم أن تجد بعض الأطراف الحزبية و الثقافية و الفكرية مسوغات لحظر كل نشاط دعوي أو خيري على علاقة بحركة النهضة من خلال غلق مقر هيئة علماء المسلمين رغم أن الجهة الرسمية التونسية لم تدع إلى ذلك و لا شيوخ جامع الزيتونة رأوا في تواجدها في تونس خطرا على عقيدتنا.
في الختام نرجو من الله السلامة و أن نخرج من هذه المحنة بمنحة ربانية.
كاتب من تونس.
شارك رأيك