رئيس الجمهورية قيس سعيد أراد أن يكون له دستور “المستبد العادل”… وحتى لا يتسرّع أنصار الرئيس في الشتيمة أقول لهم ان الاستبداد في التراث العربي الإسلامي حاضر بقوة في مشروع دستور قيس سعيد… وهو لا يعني الطغيان وإنما الحزم في أخذ القرار وتنفيذه…
بقلم لسعد بن عاشور
فنظرية “المستبدّ العادل” كانت حاضرة في فكر قيس سعيد منذ ترشحه للرئاسة. فغالبا ما كان يستحضر سيرة عمر بن الخطاب المعروف بحزمه في إقامة العدل وتطبيقه… وغالبا ما شكّك في عدالة القضاء ونزاهة القضاة وضرورة إصلاحه. وصولا لما يقدمه اليوم في مشروع دستور يسمح له بتجميع كل السلطات لكن بثوب ديمقراطي وقد ساعده عن قصد أو دون قصد في حياكة هذا الثوب أساتذة محترمون في القانون الدستوري.
“المستبد العادل” الجامع لكل السلطات
هو في جوهره ضربة البداية لمشروع نظام جديد. نظام سيكون بديلا عن أنموذج الديمقراطية الغربية وهذا موجود بتفصيل شامل في أدبيات المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري ويمكنكم العودة لهذه الأدبيات والأفكار.
نظرية تلقى رواجا متناميا خاصة وأنّ الديمقراطية الليبرالية تعيش أشدّ أزماتها وهذا بشهادة أكبر منظريها المفكر الأمريكي فرنسيس فوكوياما في كتابه الأخير “الليبرالية وسخطها”.
ديمقراطية تنتفع منها النخب المالية والسياسية والفكرية وتسحق الغالبية الشعبية. خاصة في الحالة التونسية. وهذا ما يفسّر سخط الجماهير ونفورهم منها.
وحتى مسألة الجدل حول اختيار النظام القاعدي أو التمثيلي أو سميه ما شئت فهي عبثية ولا قيمة لها طالما أنّ فصول المشروع تسمح للشخص الواحد الأوحد بسحب البساط من تحت كل الأشخاص وكل المؤسسات.
فجوهر هذا النظام هو الشخص الواحد والباقي ديكور مهما كانت طريقة وصولهم للسلطة التشريعية أو القضائية و غيرها.
هل من الحكمة أن نضع مصير وطن بين يدي شخص لم يُحسن اختيار مستشاريه؟
وهنا للعاقل أن يتساءل بكل موضوعية ودون تجن: هل من الحكمة أن نضع مصيرنا ومصير وطن بين يدي شخص لم يُحسن اختيار مستشاريه؟! هل يرى الرئيس أنه حكيم إلى درجة أن يعتبر نفسه مستبدا عادلا؟ وهو الذي لم يُحسن اختيار رئيس حكومته؟!
هل يمكن أن تثق ثقة كاملة في رئيس يقدم لك الحريات الفردية بيده اليمنى ويسحبها باليسرى تحت باب “الآداب العامة” مما يسمح لأي شُرطي أن يكيّف تلك “الآداب” حتى في معانقة علنية بين حبيبين؟!
وهل فكّرت في من سيأتي من الرؤساء من بعدك عندما تسلمه الرئاسة بكل تلك السلطات ويكون مثلا على شاكلة راشد الغنوشي أو نبيل القروي؟! هل أنت واعٍ بحجم الخراب؟
أليس في تلك الخيارات ظلم لنا جميعا ومضيعة لوقتنا ومضيعة للوطن؟
لا أعتقد أنك على صواب في ما ترنو إليه. فالإنسان عندما يتفرّد بالرأي والقرار يخطئ حتى في إدارة شؤون عائلته فما بالك بمسؤوليات في حجم وطن!
هل من فرصة لتدارك المسار و إصلاح الخطأ ؟
وطبعا هذا لا يعني أن نعود إلى من شردوا التونسيين ودمروهم ذهنيا ونفسيا. فذلك الغباء بعينه. مهما كانت مسمياتهم “مواطنون ضد الإنقلاب” أو “جبهة خلاص” فمن فشل طيلة عشر سنوات بعزم ممنهج لا شيء لديه يقدمه للتونسيين في المستقبل غير مزيد من الفشل والهلاك.
لكن في اعتقادي أنه مازالت هناك فرصة أخرى قبل استحقاق 25 جويلية للتدارك وإصلاح المسار.
وعلى القوى الوطنية الصادقة والمستقلين الأحرار التي لا تحركهم حسابات الغنيمة مساعدة هذا الرئيس في تعديل هذا المشروع. وعليه الانفتاح عليهم. فليس كل التونسيون فاسدون أو معدومي الرأي.
ولنذهب جميعا نحو بناء وطن عادل وحقيقي. يحظى فيه جميع التونسيات والتونسيين بحقوقهم في الثروة والهوية مهما كان معتقدهم أو جنسهم أو لونهم أو جهتهم…
صحفي.
شارك رأيك