يبدو أن الرئيس قيس سعيد لا يعير اهتماما كبيرا لنسبة المشاركة في الاستفتاء حول الدستور الجديد الذي يطرحه على الشعب بقدر ما يعير اهتماما كبيرا لتمرير هذا الدستور وجعله في حكم الواقع، والسؤال الذي يطرح هنا هو هل سيقبل الشعب التونسي بهذا الدستور الذي يثير جدلا كبيرا و يلاقي رفضا قويا حتى من طرف بعض المساندين لرئيس الدولة ؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
بعد أن نُشر مشروع الدستور الجديد المقترح من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد في الرائد الرسمي وعرفت محتواه، بقي على الشعب التونسي أن يقول كلمته حوله في 25 جويلية الجاري، لكن يبقى السؤال المطروح هو هل يُقبل التونسيون على هذا الاستفتاء في الموعد المحدّد؟ وهل يَقبل التونسيون بما جاء في الدستور الجديد من تغييرات جوهرية تتعلق بالسلطة التنفيذية وصلاحيات رئيس الدولة؟ ذلك ما نحاول الإجابة عنه في هذه السطور مع اعتبار الأحداث المصاحبة لكتابة الدستور وبعد أن سلمته اللجنة المكلفة بذلك إلى رئيس الجمهورية والتغيير الذي حدث في بنوده قبل نشره في الرائد الرسمي.
لا شك أن إنشاء دستور جديد للبلاد التونسية أو إنشاء جمهورية جديدة مبتغى كثير من التونسيين بعد أحداث 25 جويلية 2021 حيث طالب التونسيون على إثرها بتعليق العمل بالدستور الذي صدر في 2014 لأنه لم ينجح في إنشاء دولة ديمقراطية رغم مشاركة جميع الأحزاب السياسية في العملية الانتخابية طوال عقد من الزمان، ولعل السبب الرئيس الذي جعل هذا الدستور يخفق في ذلك هو أن تونس لا تملك أحزابا قوية يمكن تقود البلاد إلى عملية ديمقراطية ناشئة بعد الثورة مباشرة، بينما لكي تنجح الديمقراطية لا بد أن تكون هناك في البلاد أحزاب قوية لها شعبية وقادرة على الإمساك ببوصلة الحكم والاتجاه نحو المسار السياسي بكل قوة وأمان.
حركة النهضة ضيعت الفرصة التي جاءتها على طبق من ذهب
فبعد الثورة التونسية كانت الأنظار قد توجهت إلى حركة النهضة باعتبارها الحزب الأقوى، وقد جاءتها الفرصة على طبق من ذهب لكن ضيعتها عندما تنازلت عن مبادئها واختارت أن تحكم تونس من وراء حجاب، وبدأت شعبيتها تتناقص شيئا فشيئا إلى أن انهارت بسبب تعنّت الشيخ راشد الغنوشي ورفضه أي إصلاح جوهري من الداخل وتمسّكه برئاسة الحزب إلى حين وفاته وهذا كله أسهم في تدهور الحزب وانقسامه وفضّ قوّته.
ومن العوامل التي أفشلت دستور 2014م كثرة الأحزاب السياسية الناشئة وآخرها حزب العمل والإنجاز، فهذه الأحزاب كلها أو برمتها لا تملك رصيدًا شعبيا كبيرا، وإنما جل رصيدها يعتمد على بعض القيادات التي اشتهرت بظهورها في وسائل الإعلام المختلفة ولم تستطع إمالة الناخب التونسي أو إقناعه بما تخطط له.
فالأحزاب السياسية في تونس ضعيفة شعبيا وغير قادرة على بلورة مخططات كبيرة وجريئة تفيد الشعب التونسي وتنقذه من حالة التيه التي عاشها طوال سبعين سنة من الاستقلال المزعوم، ومازال إلى حدّ الآن يبحث عن الخلاص من التبعات الثقيلة التي ورثها من حكم بورقيبة وبن علي والحكومات المتعاقبة:
لذلك أراد رئيس الجمهورية أن يُنشئ جمهورية جديدة تتقاطع مع الجمهوريات السابقة، ويُنشئ دستورا جديدا يكون مختلفا عن الدساتير السابقة يمكن أن يسند فيه السلطة للشعب لا إلى الأحزاب السياسية أو رئيس الجمهورية في مفهومه المطلق، وأن يُحوّل النظام السياسي من نظام برلماني مشتّت غير قادر على توليف حكومات قوية صامدة إلى نظام رئاسي يمكن أن يكون ضامنا لحالة الاستقرار في البلاد بعد أن عانت تونس طوال عشر سنوات من الاضطراب الشديد في التشكيلات الحكومية المتتالية وسبّب حالة من الاحتقان الكبير في الشارع التونسي.
الفكرة كانت طيبة في البداية، وكانت هناك منظمات وبعض من الأحزاب تسير في المسار نفسه أملا في الخروج من المأزق السياسي الذي عانت منه البلاد، وكل حزب له رؤيته ورؤاه السياسية، تتضارب الآراء وتتضاد أحيانا، لكن جزءا كبيرا من الشعب التونسي كان ينتظر الخلاص من هذه المعاناة، وبدأ المشروع الجديد في النمو ولو كان بطيئا، لكن مؤسسة الرئاسة كان لها رأي ورؤية أيضا للمستقل السياسي في تونس، فعملت على تكريس نظام جديد يتحكم في دواليب ومؤسسات الدولة ويتدخل في شؤونها أملًا في التغيير والإصلاح، وقد شُكلت لجنة لإعداد مشروع دستور جديد وبناء دولة حديثة تقوم على أن السلطة للشعب وأن النظام السياسي سيكون رئاسيًّا.
إضافات الرئيس قيس سعيد تؤسس لنظام دكتاتوري جديد وخطير
ولكن وبعد نشر مواد الدستور في الرائد الرسمي، تبيّن تدخّل رئيس الجمهورية في بعض مواده وتحويرها مما أثار دهشة واستغراب أعضاء اللجنة نفسها التي قامت بإعداد مسودة الدستور، وتبرأت من بعض الإضافات التي وصفتها بأنها تؤسس لنظام دكتاتوري جديد وخطير، لأنها تمنح رئيس الجمهورية صلاحيات كبيرة تجعله المتحكم الأول والأساس في كل دواليب الحكم، غير أن هذا سوف يضيّق الفجوة ويقلص عدد المؤيدين إلى أدنى حد، فليس الهدف هو منح رئيس الدولة صلاحيات واسعة بقدر ما يكون النظام رئاسيًّا يمنحه بعض الصلاحيات ويبقيه تحت المساءلة الشعبية والبرلمانية إن هو أخطأ أو تصرف خارج القانون، ويمكن بالتالي عزله إن كان بقاؤه سوف يهدد الدولة.
وبالتالي يبقى الاستفتاء على الدستور يوم الخامس والعشرين من جويلية محل نقاش طويل بين الأحزاب السياسية والمنظمات والهيئات المدنية بين مؤيد ورافض ومقاطع إلى حين إقامته في اليوم المحدد، وبعد التغييرات التي حصلت فإن المؤيدين تقلصت أعدادهم حتى من اللجنة المكلفة بإعداد الدستور مما يصعب التكهن بنتيجة الاستفتاء ومدى الإقبال عليه، لأنه في الحقيقة ليست هناك محفزات جدية للمشاركة فيه أو ربما لا تعير مؤسسة الرئاسة اهتماما كبيرا لنسبة المشاركة بقدر ما تعير اهتماما كبيرا لتمرير الدستور وجعله في حكم الواقع، والسؤال الذي يطرح هنا هل سيقبل الشعب التونسي بهذا الدستور بعد اعتماده رسميا وتوقيعه من رئيس الجمهورية؟ أم ماذا سيحدث بعد ذلك إن أصر رئيس الجمهورية على موقفه؟
شارك رأيك