ربما يكون من غير المعقول أن نطالب سيدة قصرالحكومة نجلاء بودن بمعارضة ساكن قرطاج الرئيس قيس سعيد و لكن من الواضح أن هذه السيدة مكلفة بمهمة تسيير الأعمال لحين يتمكن الرئيس من كل مفاصل الدولة و تفخيخ المؤسسات و الوزارات و لذلك لا يمكن أن ننتظر من هذه السيدة أن تكون انديرا غاندي أو بينازير بوتو أو مارقريت تاتشر أو انجيلا ميركل أو إيفيتا بيرون…
بقلم أحمد الحباسي
لم أكن من الكثيرين الذين استبشروا خيرا بخبر تكليف السيدة نجلاء بودن برئاسة الحكومة. في الحقيقة المسألة لم تكن تتعلق بالفكر الذكوري و لا بأي شيء آخر من هذا القبيل لأنه و ببساطة كانت رؤيتي أن الرئيس قيس سعيد لم يلجأ إلى هذا الاختيار اقتناعا و تحقيقا لمطالب المرأة التونسية عبر نضالاتها المريرة بل كان اختيار الضرورة الذي حتمه فشله الموصوف في اختيار رئيسي حكومة سابقين و هما السيدان الياس الفخفاخ وهشام المشيشى.
أنا أتهم مدام نجلاء بودن
لقد تفاجأ التونسيون من البداية بأن هذه السيدة لا تملك أهم مواصفات الرجل السياسي الناجح وهي الكاريزما و الجرأة و القدرة على التفاعل مع الرأي العام و من البداية تبين أن هذه السيدة لا تملك شخصية المواجهة و ما نقلته لقطات استقبالها من رئيس الجمهورية و ظهورها في مظهر التلميذ المخفق في دراسته أمام الأستاذ المالك بقيود مستقبله الدراسي و لعل إيماءات الموافقة و تلك الابتسامة الفاقدة للمعنى قد كشفت أن الكاستينغ قد كان خاطئا و أن تونس قد فشلت هذه المرة في تصدير فكرة أنها الدولة العربية الوحيدة التي ارتقت فيها سيدة إلى مثل هذا المنصب.
في سنة 1898 كتبت كبريات الصحف الفرنسية مقالا مثيرا للكاتب و الأديب الفرنسي إيميل زولا بعنوان سيبقى خالدا في التاريخ “إني أتهم” وجه فيه اتهامات مباشرة لرئيس الوزراء بالذات بكونه قد كان شريكا في تزوير الحقيقة في قضية محاكمة ضابط فرنسي زورا لتبرئة أحد كبار ضباط الجيش الفرنسي آنذاك.
المقال الذي تحول فيما بعد عنوانا للاحتجاج و دخل عنوة قاموس الأدب الإنساني باعتباره أبلغ تعبير ضد التعسف و الظلم و قلة المسؤولية يمكن استنساخ عنوانه اليوم لاتهام السيدة رئيسة الحكومة بخيانة الأمانة الأخلاقية قبل كل شيء لما قبلت بالمنصب ثم استمرت فيه رغم كل إشارات الفشل وعلامات الإحباط التي أصابت المواطن يضاف إلى ذلك طبعا موافقتها الضمنية على البقاء إلى جانب الرئيس كمساند رسمي لما سمى بدستور سلطان المدينة أو فضيحة سعيّد غايت.
تبرأ الجميع من الوليد الكسيح اللقيط
لقد تبرأ الجميع هذه المرة من هذا الوليد الكسيح اللقيط و حاولوا الاغتسال من الجنابة و قرؤوا على مسامعنا كل عبارات الاعتذار على مشاركتهم في هذه الجريمة النكراء إلا السيدة رئيسة الحكومة المغمى عليها من فرط الاحتشام المبالغ فيه.
أليس من الغرابة بمكان أن تتجاهل السيدة رئيسة الحكومة كامل هذا الحراك اللفظي و النقاش الحاد الحاصل حول دستور يجمع الكثيرون أنه سيؤدى بالبلاد إلى التقسيم و التناحر الجهوى و الحرب الأهلية؟ أليس من حقنا أن نتساءل ماذا ستفعل الحكومة حين تجد نفسها وسط حرب أهلية تسبب فيها دستور فاسق كتب في الدهاليز المظلمة و بأقلام مشبوهة لا تختلف عن محتويات مقالات رضا شهاب المكي أو أحمد شفتر؟
ماذا ستفعل مدام بودن لو سالت الدماء أو أزهقت الأرواح ؟ كيف ستفسر السيدة رئيسة الحكومة حالة الصمت الجبان الذي تدثرت به طيلة هذه الفترة التي تعالت فيها الأصوات الحرة منادية باستقالة الرئيس و محاسبته؟ ما الذي منع رئيسة الحكومة من معارضة الرئيس و المجاهرة بموقف مساند للأغلبية الشعبية التي ترى في هذا الدستور مطية الرئيس ليصبح الديكتاتور الحاكم بأمره و الذي لا يخضع للمحاسبة مهما أرتكب من جرائم أو معاصي؟
لعله من قهر الدهر أن المواطن المنكوب قد ابتلى برئيس طامع في السلطة إلى أبعد الحدود و مستعد إلى دفع المواطنين للحرب الأهلية و رئيسة حكومة بلا شخصية و بلا مبادئ واضحة و لعله من المفارقات أن يتم تكليف شخص غير كفء بمنصب رفيع ليسوس بلداعلى حافة الانهيارعلى كل المستويات.
السياسة في تونس والرجولة المفقودة
لقد خرج كل الذين شاركوا في تحرير دستور الرئيس و أقسموا بالثلاثة أنه خدعهم خداعا مبيّتا و مقصودا ليشوه عمدا تاريخهم و مستواهم و مستقبلهم و مع ذلك لازمت السيدة رئيسة الحكومة الصمت و لم تكلف نفسها حتى الاحتجاج على هذه الجريمة الموصوفة في حق مواطنين يعتبرهم الكثيرون قامات علمية عالمية أوالاتصال بهم لفهم ما حدث خاصة و أن هذا اللغط من شأنه أن يشوش على عمل الحكومة خاصة أن هذه الاتهامات قد طالت مؤسسة رئاسة الجمهورية فى شخص رئيس البلاد و المؤتمن على الشرف المهني للمواطنين.
من الواضح أن السيدة رئيسة الحكومة قد اختارت أن تقف في المنطقة الرمادية التي ليس لها معالم واضحة كل ذلك حتى لا تنطق بكلمة لا في وجه رئيس الصدفة و صاحب دستور الخراب. لقد كان بإمكان هذه السيدة الخجولة أن تقرأ عبارات التبرم و الرفض و الإحباط في وجه مواطنيها لو كان لها قدر قليل من الحدس و القدرة على الاستنتاج لكن لا يمكن لمن خلق مبتورا أن يستعيد العضو الناقص كما لا يمكن لمن تعود على الإذعان أن يرفع ظهره إلى الوراء بعدما نال منه الانحناء حدا جعله لا يفرق بين إظهار مظاهر الاحترام و بين الإصرار على إبداء مظاهر العبودية.
ربما يكون من غير المعقول أن نطالب سيدة قصرالحكومة بمعارضة ساكن قرطاج و لكن من الواضح أن هذه السيدة مكلفة بمهمة تسيير الأعمال لحين يتمكن الرئيس من كل مفاصل الدولة و تفخيخ المؤسسات و الوزارات و لذلك لا يمكن أن ننتظر من هذه السيدة أن تكون انديرا غاندي أو بينازير بوتو أو مارقريت تاتشر أو انجيلا ميركل أو إيفيتا بيرون و المسألة في نهاية الأمر هي مسألة “رجولة ” سياسية يظهر أنها من السمات المفقودة عند هذه السيدة مثلما أنها مفقودة عند كل رجالات الحكومة.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك