لعل السؤال الحارق اليوم يتعلق بالاتهامات الخطيرة الموجهة للجهاز الأمني في تونس برمته و لوزير الداخلية السيد توفيق شرف الدين شخصيا و هذا السؤال يقول هل أن ما حدث من تجاوزات أمنية مختلفة خلال المدة الأخيرة هو إيذان صريح و متعمد بعودة نظام بوليسي حديدي لا يتعامل مع المواطن و مع الاحتجاجات الشعبية السلمية إلا بلغة العنف البوليسي المبالغ فيه.
بقلم أحمد الحباسي
لماذا تصاعد عنف السلطة ضد معارضيها ؟ هل أن ما يحدث من تجاوزات عديدة هو نتاج ما يشعر به الرئيس قيس سعيد من تصاعد مشاعر الإحباط و العزلة لديه خاصة بعد فضيحة الدستور أو ما سماه البعض بفضيحة “بلعيد قايت” نسبة للتصريح الخطير الذي تبرأ فيه العميد الصادق بلعيد من “أبوة” مشروع الدستور المعروض من الرئيس على استفتاء 25 جويلية ناسبا لهذا الأخير خرق “كلمته” و خيانة ما تم الاتفاق عليه من عناوين رئيسية يجب تضمينها بمشروع الدستور المقترح.
يقول المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات إن تصاعد حدة القمع الأمني في تونس يكشف عمق مأزق الرئيس قيس سعيّد و يؤكد بعض الملاحظين أن ما اعتبر لدى الكثيرين من كونه انقلاب على الدستور و بقدر ما كان من نتائجه الإطاحة بمنظومة الإخوان و بمركز سلطتها في البرلمان و الحكومة بقدر ما جمّع ضد الرئيس كثيرا من الرموز السياسية وراء شيخ الإخوان راشد الغنوشي التي تستغل ما للرجل من علاقات دولية و ما تضخه بعض الأنظمة الخليجية من أموال قادرة على تمويل تحركات الشارع.
الأمن في خدمة المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد
هذه التحركات المتنقلة و لئن لم تتمتع بزخم شعبي كبير و لم تكتسح الشارع لتصبح رقما صعبا فقد أربكت القوة الأمنية و جعلتها تمارس أقسى تصرفاتها البوليسية الأمر الذي جعل ما يسمى بالحراك ضد الانقلاب يستغل عديد الأبواق الإعلامية الخارجية مثل فرانس 24 و قناة الجزيرة إضافة إلى القنوات التركية و قنوات الإخوان للتشهير بالقبضة الأمنية و المطالبة بإقالة وزير الداخلية مع بعض كبار الضباط الميدانيين.
ما حدث لرئيسة الحزب الدستوري الحر السيدة عبير موسى أثناء تظاهرة الحزب أمام الهيئة المستقلة للانتخابات منذ أسبوع تقريبا لمطالبتها باتخاذ موقف واضح إزاء الأخطاء و التجاوزات المنسوبة للرئيس قيس سعيد في علاقة بالدستور و التنقيحات و الآجال من قمع و ضرب و محاولة اغتيال وثقتها عدسات الكاميرا يؤكد أن وزارة الداخلية قد تخلت عن دورها في حفظ الأمن العام إلى دور محبوك بعناية شديدة يخدم الأجندة الرئاسية فى ترهيب المعارضين و محاولة جرهم إلى مربع العنف لتلويث تحركاتهم و الزج بهم في السجون بعلة ضرب الاستقرار.
يضاف إلى ذلك على الجانب الآخر أن هناك من يعتقد جازما أنه بتعيين السيد فاروق بوعسكر على رأس هذه الهيئة المتهمة بتدليس الانتخابات الرئاسية و التشريعية الماضية فقد أصبح الرئيس متحكما في نتائج الاستفتاء و في نتيجة الانتخابات الرئاسية و التشريعية القادمة.
التضييق المفضوح على الحزب الدستوري
لا شك أن الحزب الدستوري الحر قد أصبح رقما صعبا بالنسبة للجميع على الساحة الحزبية و لا شك أن هناك نيّة واضحة لدى وزارة الداخلية لمحاولة تحجيم دور و وجود الحزب شعبيا فالوزير يقوم بكل ما في وسعه حتى لا يتصاعد نشاط الحزب أفقيا أو عموديا و يتعاون بالخصوص مع السيد والي تونس الجديد المعروف بصلته القريبة من الرئيس قيس سعيد لمقابلة كافة أنشطة الحزب بأشكال عدة من التضييق و المنع و قطع الطرقات و عرقلة وصول المتظاهرين المنتسبين للحزب إلى وسط العاصمة بالتوازي مع ارتفاع منسوب عال مقصود مبيّت من العنف المبالغ فيه من طرف القوى الأمنية و هنا يقف المتابع عاجزا عن النطق أمام فاجعة الصورة التي التقطت لأحد الأمنيين و هو يهمّ باستغلال المظاهرة الأخيرة لضرب رئيسة الحزب على رأسها مما قد يتسبب في وفاتها و دفع البلاد إلى حرب أهلية و إلى فوضى أمنية غير محسوبة العواقب.
ليبقى السؤال : من هو هذا الأمني و ما هي خلفياته الإيديولوجية و من سخّر له التواجد بذلك المربع الأمني قرب رئيسة الحزب و لماذا حاول الاعتداء على هذه السيدة و من خطط للعملية و لماذا صمتت وزارة الداخلية عن التعليق و هل تم تقديم تقرير للرئيس و لماذا صمت سيادته على جريمة دولة بهذا الحجم.
رؤية متصلبة و فقيرة للتعقل و الحنكة و احترام المبادئ
مع اقتراب موعد الاستفتاء و ما سيترتب عن نتيجته و مع ما ظهر على الرئيس من استعداد لتجاوز كل الصلاحيات و المؤسسات و الدوس المتعمد على مبدأ الحوار و التشاور و المضي سريعا إلى فرض رؤيته المتصلبة و الفقيرة للتعقل و الحنكة و احترام المبادئ فقد بات جليا أن المؤسسة الأمنية هي من ستتكفل بالضرب بقوة و بلا هوادة على يد المعارضة وهي من ستتولى مهمة تحجيم دور أصواتها بكل الطرق بما فيها تكميم الأفواه و اختلاق بعض الملفات و استعمال القوة المفرطة جدا للترهيب و التنكيل.
من الواضح للعيان أن هناك رغبة لدى السيد وزير الداخلية لضرب مفهوم الإضراب و التظاهر و حرية التعبير وعدم التساهل مع الاحتجاجات السلمية و هناك إمعان متعمد في استخدام الخيارات القمعية في إدارة الشأن العام ولذلك لم يعد هناك شك من أن السلطة قد قررت هذه المرة مواجهة غضب الشارع نتيجة سياسة حكومة فاشلة ورعونة تصرفات رئاسية أثبتت محدوديتها و خروجها عن الموضوع.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك