نشر الأزهر الماجري،أستاذ محاضر للتعليم العالي، رئيس قسم التاريخ سابقا بكلّية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي،تحدث فيها عن وجود فساد في بعض لجان الانتداب.
وفيما يلي نص الرسالة المفتوحة كما تم نشرها في موقع “الصباح نيوز” بتاريخ 16 جويلية 2022:
إن كان قطار الإصلاح ومقاومة الفساد قد انطلق فعلا، ذلك أنه بدأ بقطاعات حسّاسة كالأمن والديوانة والقضاء، فإننا لم نر شيئا إلى حدّ الآن في مستوى وزارة التعليم العالي والمؤسّسات الجامعية، بالرغم من ثقل الأوزار، ومعاناة الأساتذة، وتفاقم الأوضاع.
أقتصر على جانب محدود يكون بمثابة العيّنة لفتح الباب لطرح قضايا أخرى قد تكون أشد خطورة كمصداقيّة الشهائد العلمية وجودة التكوين وإهدار المال العام.
تقتصر العيّنة على موضوع الانتدابات التي ينتظرها المعنيّون طويلا، وبعد عناء، لكنّها بمجرد أن تأتي تتبخّر معها آمال الأغلبية من الأساتذة الجدّيين، وذلك لأنّها تعرّي سلوكيات غاية في البدائية، كنّا نخال أنها قد ولّت وانتهت على غرار المحاباة والمحسوبية والزّبونيّة…. (هذا متاعنا….. أشكون هذا؟ منين جا هذا؟). لذلك، يُعَدّ بعض المترشّحين محظوظين جدّا عندما يكون رئيس لجنة الانتداب أو أحد أعضائها مدير بحوثهم! أو لأنّهم ينتمون إلى نفس المخبر الذي يرأسه أحد أعضاء اللجنة! أو أنّ لديهم وشائج خاصّة مع أعضاء لجنة الانتداب كالعمل بنفس المؤسسة! فضلا عن أثر الانتماءات بكلّ أنواعها في التقييم.
أمّا بقيّة المترشّحين فهم:”عيال الله والفقراء إلى ربّهم”!
ألا يندرج وجود هذا النوع من العلاقات ما بين أعضاء اللجنة وبعض المترشحين، ضمن تضارب المصالح؟ ألا يفقد ذلك مصداقية اللجنة وحياديّتها؟ ألا يحوّل المنتدب أو المرتقي بهذه الصفة إلى تابع مدى الحياة أو رهينة لصاحب نعمته؟ ألا يرسّخ هذا السلوك تقاليد الخضوع داخل مؤسّسة من المفروض أن تكون منارة للفكر الحر والحسّ النّقدي؟ خصوصا وأنّ هذه العلاقة هي العامل المحدّد في نهاية المطاف للنتيجة النهائية في الانتداب أو الترقية وليست الملفات العلمية.
هذا ما تمّ بكلّ أسف في دورة الترقية، وليست الانتداب، إلى أساتذة التعليم العالي دورة 2019 اختصاص تاريخ، فمن جملة 12 خطّة مفتوحة للغرض وافقت عليها الوزارة بالرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها تونس، إلاّ أنّه لم يقع قبول إلاّ 06 مترشحين فقط من جملة 12 مترشحا!!
ولكم بعض الحجج والبراهين!
يوجد بين “النّاجحين” من له كتاب واحد منشور طيلة حياته الجامعية، مع جملة من المقالات. وبينهم أيضا من ليس له ولو كتاب واحد منشور بما في ذلك الأطروحة، ولا يحتوي ملفّه على غير المقالات. فضلا عن محدوديّة الإشراف والتأطير. لِسَائلٍ أن يتساءل هنا: أين يكمن المشكل؟ وذلك لأنّ عدم نشر الكتب لا يمثل مشكلا في حدّ ذاته، وقد تعوّض المقالات المنشورة غياب الكتب خاصّة إذا تعلّق الأمر بلجنة ترقية وليست انتدابا، مطلوبٌ ممّن يتقدّم إليها حسب ما جرت العادة والعرف بمقالين على الأقلّ.
والجواب هو أنّ المشكل يكمن في أنّ من بين “الفاشلين” أمام هذه اللجنة من تفوق منشوراته الأربعة والخمسة والسّتّة كتب فضلا عن المقالات! وبعض هذه الكتب نفدت من السوق وطبعت أكثر من مرة!
ويكمن المشكل أيضا في أنّ من بين هؤلاء “الفاشلين” من يفوق عدد الطلبة الذين أشرفوا عليهم في مستوى مذكّرات الماجستير والدكتوراه العشرات بما في ذلك الإشراف على عدد هام من الطلبة الأجانب. فضلا عن أنشطتهم البيداغوجية والعلمية والإدارية والتي لم تشفع لهم لدى هذه اللجنة!
أمّا إشعاع بعض الجامعيين على المحيط الخارجي ومساهمتهم في الشّأن العام من منطلق ممارسة حقّ المواطنة، فقد أصبح جريمة تحاسبهم عليها هذه اللجان!
لا تمثّل هذه المراسلة تظلّما ولا استعطافا، بل ترمي إلى تعْرية واقع أصبح غير مقبول. وإذا بدا المناخ داخل الجامعة هادئا، فهذا لا يعني أن التّململ غير موجود. وإذا بدا الوضع ساكنا فإنّ الخوف والطمع هو السّبب في ذلك. فمن يحاول رفع صوته يتمّ التّنكيل به وعزله وحرمانه من حقوقه المهنية الدّنيا. هذه عيّنة من الوضع الذي يعيشه الأساتذة داخل الجامعة التونسية.
عِلْمًا وأنّ العناصر الموجودة في لجان الانتداب هي نفسها المسيطرة تقريبا على كلّ الهياكل البحثية والبيداغوجية. في حين يقضّي أساتذة آخرون أكثر من ثلاثين سنة في الجامعة التونسية ولا يقع تعيينهم أبدا ضمن هذه اللجان. ونسوق مثالا طريفا ومغريا على ذلك:
أحد هؤلاء المتنفّذين شغل ويشغل حاليا فضلا عن وجوده داخل لجنة الانتداب المذكورة، ووجوده الدائم في لجان الانتداب، المسؤوليات التالية: رئيس اللجنة الوطنية للتبريز في التاريخ. مدير مدرسة الدكتوراه سابقا. رئيس لجنة الدكتوراه سابقا. عضو اللجنة الوطنية القطاعية للتّاريخ. عضو الهيئة الوطنية لتقييم أنشطة البحث العلمي
أية طاقة يمتلكها هؤلاء؟ وأيّ نفوذ يتمتعون به؟! حتى يحتكرون هذه اللجان ويداورونها فيما بينهم ضمانا لتسلّطهم على باقي زملائهم؟ أما الأساتذة الآخرون (الفقراء إلى ربّهم) فيبدو أنهم لم يخلقوا لمثل هذه المسؤوليات أصلا!
سيادة الوزير
نرجو منكم إعادة فتح ملف انتداب أساتذة التعليم العالي “اختصاص تاريخ” والتّثبّت بالخصوص في شبكة التقييم التي صادقت عليها الوزارة ومدى مطابقتها فعليا للشّبكة التي اعتمدتها اللجنة في تقييم الملفات ومدى تطبيق نفس التقييم على كلّ الملفات بطريقة عادلة وموضوعية وليس بطريقة الكيْل بمكياليْن!
وأؤكّد لكم، أنّكم ستقفون عندها على عيّنة مجهريّة من المظالم والتجاوزات التي يعانيها بعض الأساتذة من لجان علميّة تحولت إلى “محاكم تفتيش” دورها تعقّب الجامعيين على مواقفهم وإنتاجهم وإشعاعهم، خصوصا وأنّ هذه اللجان تشتغل دون حسيب ولا رقيب!
الأزهر الماجري: أستاذ محاضر للتعليم العالي، رئيس قسم التاريخ سابقا بكلّية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة.
شارك رأيك