إن عدم منح تأشيرة الدخول إلى فرنسا لأستاذ جامعي تونسي حصد كل الشهائد العلمية من أقوى الجامعات الفرنسية (السربون)، شهد عليه علماؤها ونشر أعمالا علميّة في مجلاتها المحكّمة وتمّت دعوته من قبل أعتى الهيئات العلمية العالمية (أكاديمية باريس)، إن مثل هذا التصرف يجعلنا نتساءل عن نوعية الأشخاص الطبيعيين الذين تودّ فرنسا استقبالهم على أراضيها كما يجعلنا نراجع تفكيرنا في علاقة فرنسا بنا. (الصورة : مقر سفارة فرنسا بتونس).
بقلم صلاح سالمي
يتكوّن الجسم الجامعي في تونس من مدرّسين باحثين اختلفت أصنافهم. فمنهم من تحصّل على شهائده العلمية من الجامعات التونسية، ومنهم من تحصّل عليها من خارج أرض الوطن. ومن بين البلدان الغربيّة التي أسندت هذه الشهائد يمكن ذكر الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، ألمانيا، بريطانيا. لكن في الحقيقة تبقى فرنسا أهم بلد زاول فيه أساتذة الجامعة التونسية تعليمهم منذ فجر الاستقلال إلى الفترات المتأخرة وذلك سواء كانت اختصاصاتهم علمية أو أدبية.
وبعد عودتهم إلى تونس يبقى الجامعيون المباشرون لعملهم على علاقة وطيدة ببلد الدراسة. هذه العلاقة تبقى متواصلة مع الجامعات والمكتبات ومع مخابر البحث الفرنسية خاصة بالنسبة لأولئك الذين يصرّون على مواصلة بحوثهم العلمية وتسلّق سلم الهرم والترقيات الجامعية. حيث يمكن لهم وبعد موافقة سلطة الإشراف واستيفاء الشروط التوجّه إلى إحدى المدن الفرنسية لشهر أو شهرين أو حتى بضعة أيام للقيام بمهمات علمية وبحثية وتربصات مختلفة وذلك في حدود العلاقة الثنائية التي تجمع فرنسا وتونس منذ عقود.
تتالي عمليات رفض الفيزا للجامعيين التونسيين
لكن الغريب في الأمر أنه في الفترة الأخيرة تتالت عمليات رفض الفيزا لهؤلاء الجامعيين التونسيين وهو أمر يبعث على الدهشة والحيرة. حيث أن عملية اسناد الفيزا صارت ما يشبه المنّة من القنصلية الفرنسية. هذه العملية فضلا على كونها أصبحت معقّدة جدا، فإنها باتت تشبه صك غفران وحلما صعب المنال.
وإذ نحترم بما لا يدع مجالا للشك سيادة الدولة المستضيفة للأفراد وقوانينها وإجراءاتها وحريتها في اتخاذ التدابير التي تراها صالحة، فإننا نستغرب فعلا لكمية الرفض للفيزا التي يطلبها الجامعيون وفي الكثير من الأحيان لأسباب واهية وغير مقنعة تماما. فهؤلاء الجامعيون فيهم من قضى في فرنسا سنوات عديدة قبل عودته إلى تونس ولم يتحوّلوا على حدّ علمنا إلى إرهابيين كما أنهم ليسوا دعاة فوضى وتخريب حتى يتمّ التنكيل بهم وإقصاؤهم بهذه الطريقة المشينة.
إن عدم منح الفيزا لأستاذ جامعي تحصل على جلّ جوائز تونس، حصد كل الشهائد العلمية من أقوى الجامعات الفرنسية (السربون)، شهد عليه علماؤها ونشر أعمالا علميّة في مجلاتها المحكّمة وتمّت دعوته من قبل أعتى الهيئات العلمية العالمية (أكاديمية باريس)، إن مثل هذا التصرف يجعلنا نتساءل عن نوعية الأشخاص الطبيعيين الذين تودّ فرنسا استقبالهم على أراضيها كما يجعلنا نراجع تفكيرنا في علاقة فرنسا بنا.
إن رفض اسناد الفيزا للنخبة التونسية ومنعهم من دخول التراب الفرنسي لفترات وجيزة يعتبر مسّا صارخا للجسم الجامعي ويرتقي في نظرنا إلى مرتبة الإهانة لهذا القطاع بل وللدولة التونسية ككل. وإننا من خلال هذا المكتوب ندعو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى التدخل العاجل للدفاع عن منظوريها وحلحلة هذا الإشكال لأن الكثير من البحوث العلمية والتربصات قد بقيت تراوح مكانها ولن ترى النور إذا تواصل هذا العبث.
مع ما سبق وإذ نهيب بوزارة الخارجية التونسية فإننا ندعوها هي الأخرى إلى التحرك وأخذ هذا الملف بالجدية الكافية وإيلاءه الأهمية التي يستحقها. هذا الملف الذي صار يقضّ مضجع الكثير من الجامعيين التونسيين خاصة منهم أولئك الممسكون على جمرة البحث العلمي.
أستاذ محاضر بالجامعة التونسية.
شارك رأيك