في مثل هذا اليوم ولد الزعيم الحبيب بورقيبة… ولد سنة 1903… على سواحل تونس… في مدينة المنستير… في بيت متواضع قرب الميناء القديم … السنة القادمة نحتفل كما يجب ان شاء الله بمرور 120 سنة عن ميلاده… هذا الديكتاتور غير بدكتاتوريته وجه تونس و خطّ لها طريقا لن يغيره أناس آخرون لبسوا قناع الحرية و الشفافية و التقوى…
بقلم أ.د الصادق شعبان
ما زلت أذكر القبضة القوية لهذا الدكتاتور ذات يوم 30 جوان 1967… لما تسلمت منه جائزة البكالوريا و عمري انذاك 17 سنة… قبضة فيها كل معاني الافتخار بما يصنع و تقديس للعلم الذي بالنسبة إليه هو الأساس و تشجيع المتفوقين لمواصلة التجديد و الرغبة في تحرير المجتمع من التخلف و بناء دولة جديدة بسواعد و عقول وطنية خالصة…
غير بدكتاتوريته وجه تونس و خطّ لها طريقا لن يغيره أناس آخرون لبسوا قناع الحرية و الشفافية و التقوى…
اهم القرارات الدكتاتورية لهذا الزعيم كانت تصبّ في التحرير لا في الحرية… حتى لا تبقى تونس لقمة لأي استعمار جديد… حتى تقدر على بناء نفسها بنفسها… و تضمن استقلال القرار… و تحقق الكرامة الفعلية للشعب…
علّم الأطفال و أخرج الكبار من الجهل
اأولا – علّم الأطفال و أخرج الكبار من الجهل… بدكتاتوريته التي كانت تعاب عليه… عمّم المدارس… نشر المعلّمين في أعماق الأرياف… هدد الأولياء بعقوبات اذا هم حرموا أبناءهم من المدرسة… جعل التعليم مجانيا في كل مراحله… مجاني لكل الناس لا فقير في ذهن الأطفال و لا غني… أطعم و أسكن مجانا… أعطى منحا دون تمييز…
كان الزعيم الأمريكي الشاب جون كنّدي في بداية الستينات يردد ما قال له بورقيبة عندما عرض عليه المساعدة… أجاب الدكتاتور انه يريد الحليب لأطفال المدارس… نصف الميزانية خصص للإنفاق على الأطفال تعليما و تثقيفا و صحة، وحّد مناهج التعليم حتى تصبح تونس واحدة… حذف التعليم الزيتوني و عدل القليل الذي تبقى منه… خلق الانسجام الفكري… فتح المدارس لكل النشاطات الترفيهية و التثقيفية… جعل المدرسة المرجع لكل حي… أصبحت المدرسة المصعد الاجتماعي لكل الأطفال… أداة المساواة العلية… أداة الوحدة الوطنية… أنا و أنت و آخرون ما كنا نبلغ المراتب التي وصلناها لولا مدرسة بورقيبة الدكتاتوري…
جعل العدالة أداة تحرير مجتمعي
ثانيا – وحّد القضاء… و ألغى القضاء الشرعي و جعل القوانين تواكب العصر هذا الدكتاتوري بورقيبة… أنهى سلطة فقهاء الدين… أصبحت العدالة أداة تحرير مجتمعي هي أيضا… هذا هو فعلا بورقيبة الدكاتوري…
أزال عن وجه المرأة السفساري لترى النور
ثالثا – حرر المرأة… بكل دكتاتورية… في وقت كان التغيير فيه صعبا… أزال عن وجه المرأة السفساري… لترى النور… و ترى أكثر… و تتعلم… و تتواصل… و يراها الآخرون… منع تعدد الزوجات و خصص عقابا بالسجن لمن يخالف… الزواج العرفي الذي تسلل اليوم في عصر الديمقراطية ما كان في ذلك الوقت ليتسلل… منع الطلاق خارج المحاكم… جعل التخلف عن الإنفاق يعاقب بالسجن… علم الفتيات دون تمييز مع الفتيان… نفس الطابور و نفس القسم و نفس الطاولة… يريد أن تحرر المرأة من تسلط الرجل و تصبح سيدة نفسها في المجتمع… حامية حقوقها بنفسها… ها نحن وصلنا إلى هذا اليوم بفضل قرارات بورقيبة ذلك الدكتاتور.
لولا التنظيم العائلي لكانت تونس اليوم 18 مليون
رابعا – نشر ثقافة التنظيم العائلي، بشكل من الدكتاتورية في ذلك الوقت… خصص مؤسسات و حملات توعية و أموالا كبيرة لذلك… مكّن المرأة من حق الإجهاض… حق ما زالت نساء بعض الديمقراطيات اليوم تناضل من أجله… نعت بورقيبة بالكفر… لكنه أصر لأنه دكتاتوري… و لولا التنظيم العائلي لكانت تونس اليوم 18 مليون… و لكانت الأسرة اكثر بؤسا و تفككا… و لا أحد من الطبقة الوسطى يكون قادرا على تعليم أبنائه و مداواتهم و إيجاد الشغل اللائق لهم… هذا ما فعله بورقيبة الدكتاتوري…
خامسا – بنى إدارة وطنية كفأة… في وقت كانت الإدارة العليا حكرا على المستعمرين… بهذا صنع الدكتاتوري دولة وطنية… برجال وطنيين… حمى القرار الوطني… راقب نزاهة الموظفين بنفسه… رفع الأداء في الخدمات و طبق معايير الحكم الرشيد قبل ان تعرف الكلمة… ةهذا الزعيم الدكتاتوري…
عادوا اليوم الى دستوره الدكتاتوري… و إلى سياساته الدكتاتورية… و استطاع المجتمع اليوم بنفسه، بعد عقود من البورقيبية، ان يزيل القناع عن وجوه تجار الديمقراطية و وجوه تجار الدين … بعد عشرية صعبة ترنح فيها المجتمع و ترنحت الدولة، عرف الناس أن بورقيبة كان على حق، و ان التغيير لا يكون إلا باليد القوية… و اليد القوية لا تعني بالضرورة ظلما و لا تؤدي بالضرورة إلى فساد…
رحمك الله أيها الزعيم…
بصماتك لم تمح… لن يقدر أحد على الرجوع بمجتمعك إلى الوراء و لا افتكاك دولتك من أبنائك و من أحفادك…
أستاذ قانون و وزير سابق.
شارك رأيك