في الشهادة التالية يتحدث المعارض و السجين السياسي السابق أحمد المناعي عن رفيقه في الغربة و النضال المفكر و الكاتب المازري حداد الذي لم تكن مواقفه لتروق لعدد كبير من معاصريه من حكام و معارضين لكن الأيام أثبتت صحتها و منها موقفه من حركة النهضة الاسلامية و من “الربيع العربي” الذي كشف زيفه منذ اللحظة الأولى.
بقلم أحمد المناعي
قبل أن ألتقي المازري حداد لأول مرة في أوائل شهر جوان 1991 في باريس كنت قد قرأت له بعض المقالات في مجلة “رياليتي” أواخر الثمانينات وصنفته ضمن المثقفين التونسيين الشبان وبمحض الصدفة أو هي المكاتيب والأقدار جمعتني به ذات يوم في الطابق الأول من مقهى “الكرانغ كلوني” في جمع من التونسيين الذين لم أكن أعرف منهم الا المرحوم علي السعيدي.
كان واضحا من أول لقاء أن اجتماع التونسيين في المهجر لم يكن مدعاة للوئام بل للنزاع ولو لا حضور المازري يومها لحدث المكروه. لا شك أنه يذكر تفاصيل الحادثة التي اضطر أن يتدخل فيها بالحسنى لجبر الخواطر وإحلال السلام وتجنب الكارثة.
من الأوائل
كان المازري حداد من المثقفين المستقلين الأوائل الذين أعلنوا انضمامهم إلى المعارضة السياسية في المهجر فقد كان الممضي الرابع على أول لائحة تدين وتحتج وتستنكر وتطالب … صدرت في باريس في شهر ماي 1991…
ثم شارك في مناقشات تأسيس منظمة ّتونس: الدمقراطية الآن” التي عمرت حتى سنة 2013 ثم رأيته يتولى رئاسة تحرير نشرية شهرية شبه سرية تصدر في بركسل تحت عنوان “حقائق” بالفرنسية ثم ينشئ بمعية المرحوم سليم بقة نشرية “لوداس” بالفرنسية أيضا ثم يتحرر من الجوار المحرج ويؤسس “صوت الجرأة” بالفرنسية.
غير أن رجلا مثله ومثقفا في حجمه لا يمكن له أن يرضى بالكتابة والنشر في منشورات شبه سرية تسحب بعض المئات من النسخ في كل شهر. وهكذا توجه للصحافة الفرنسية الأكثر انتشارا ورسخ فيها أقدامه مع الأيام ومع تطور الأحداث في تونس. وأذكر مقاله «منطق الدولة أو منطق العائلة» الذي صدر في “ليبراوسيون” في سنة 1993 لأدانة واستنكار منطق لا زال يهيمن على عقول حكامنا أو المقال الثاني الذي صدر في السنة التالية تحت عنوان «انتخاب ملك تونس»… ولازلنا ننتخب رؤساءنا.
المئفي
كم كان المنفى كئيبا حزينا وكم كانت مبرراته واهية فقد كانت قائمة على كذبة كبيرة مفادها «أن مستبدا دمويا قد هاجم جماهير وقواعد وقيادات حركة مسالمة ترغب فقط في المشاركة في الحياة السياسية وفي إدارة الشأن العام الوطني من أجل تطوير البلاد وبناء الدمقراطية … فنكل بهم وسجن الألاف منهم وشرد المئات وانتهك الحرمات…
تلك هي السردية التي كانت مسيطرة علينا لمرحلة طويلة والتي كانت عكس الحقيقة تماما. الحقيقة الحقيقية التي غابت عن الكثيرين منذ 1991 هي أن مغامرا ومتآمرا وانقلابيا تاريخيا (إشارة إلى قيادة حركة النهضة – المحرر) تربى في مدرسة الانقلابات منذ شبابه ودرب أتباعه عليها قرر أن يعوض فشل 8 نوفمبر1987 بشهر ماي 1991… ففشل مرة أخرى وكانت ردة فعل النظام عنيفة وقاسية ودون رحمة.
استبشرت خيرا
لقد استبشرت خيرا يوم أخبرتني في سنة 1999 أنك قررت الرجوع الى تونس بعد أن انتهيت إلى تفاهم مع النظام ولقد رأيت في ذلك بداية كشف الحقيقة ورفع الوصاية عن كل الذين كانوا يعرفونها ولا يريدون الإفصاح بها. وهذه لعمري من شيم المثقفين النزهاء الشجعان.
ولقد كنت كذلك منذ عرفتك ويكفيك فخرا أن تكون الوحيد أو من القلائل الذين لم يصدقوا دعاية «الربيع العربي» و «ثورة الياسمينّ» و «الانفجار الثوري» ويكفيك فخرا أنك حذرت من تدمير الدولة الوطنية وتحريف الدين وتخريب المجتمعات وإعادة تمكين الاستعمار من بلداننا وخيراتنا ويكفيك فخرا أن ساندت كل القوى الوطنية من العراق الى سوريا الى مصر وليبيا واليمن ووقفت ضد كل الذين باعوا ضمائرهم ودينهم وأوطانهم الى القوى الصهيو-امبريالية…
أكتفي بهذا وعلى موعد أن ألقاك قريبا.
شارك رأيك